الطعن في قرارات المحافظ على الأملاك العقارية أمام
القضاء العادي والقضاء الإداري
محمد
معترف : أستاذ
باحث .
يعتبر موضوع الطعن في قرارات المحافظ ,
من المواضيع الشائكة التي تحتاج لمزيد من البحث, كما يعرف بعض الصعوبات, سواء على مستوى التشريع أو على مستوى الواقع, الشيء الذي ينعكس
على الممارسة القضائية التي عرفت العديد من الأحكام الغير متوازنة مع إرادة المشرع .
و تزداد أهمية وصعوبة
معالجة هذا الموضوع,من خلال تشتت النصوص القانونية المنظمة للطعون,
وغموض بعض مقتضياتها,وكذلك من خلال تأثيرات واقعية على القرارات التي يتخذها
المحافظ, وتفاعل القضاء معها.و كذلك من خلال الخصوصيات التي
تتميز بها قراراته، فعلى الرغم من كونها تعتبر قرارات إدارية, إلا أن المشرع أخضع
البعض منها للطعن أمام القضاء العادي, وهذا ما دفعني للتساؤل عن المعيار المعتمد
من طرف المشرع المغربي, ولماذا لم يقم بتوحيد الاختصاص فيما يرتبط بموضوع هذا
الطعن ؟
وإذا كانت
الإشكالية الأساسية تتجلى في ازدواجية الاختصاص المرتبط بالطعن في قرارات
المحافظ.فإنني عملت إلى تقسيم هذا الموضوع إلى محورين أساسيين تطرقت في كل واحد
منهما إلى القرار الذي يتخذه المحافظ ومدى
خضوعه للطعن ,ليكون المحور الأول: الطعن
في قرارات المحافظ أمام القضاء العادي, والمحور الثاني الطعن في قراراته أمام
القضاء الإداري.
وعلى الرغم من أن هذا التصنيف في الحقيقة
فرضته نظرة المشرع, من خلال ظهير التحفيظ العقاري, فقد حاولت في صلب النقاش محو الفوارق التي ينظر منها
البعض, من زاوية القانون الخاص أو العام, وحاولت من خلال عرض بعض القرارات التي
يتخذها المحافظ أن أكيفها حسب طبيعتها وموضوعها ومدى تأثيرها على حقوق الأطراف
ومصالحهم .
محاولا كذلك أن أبرز أن
الاختصاص النوعي وبالرغم من كونه من النظام العام, يجب أن لا يكون سدا مانعا إلى
درجة إلغاء نقط الالتقاء والتقاطع ، معتمدا في تحليلي على طرح شمولي ,أخدا بعين
الاعتبار هذه القرارات في إطارها التشريعي, و وجهة الفقه والقضاء على حد سواء في
هذا الموضوع.
المبحث الأول قرارات المحافظ القابلة للطعن أمام القضاء
العادي.
تجدر الإشارة في البداية,
إلى أن هناك تمييزاٌ من حيث الإختصاص بين القضاء العادي و القضاء الإداري،و أن
القضاء العادي يشمل على قضاء الموضوع و قضاء استعجالي, و قضاء النقض. وإذا كان المعيار الذي اعتمده القضاء, لتميز القرار الإداري,هو
المعيار العضوي, إلا أنه بالنسبة للمحافظ العقاري,أخد بالمعيار العضوي و بالمعيار
المادي, حيث اعتبر قرارات المحافظ إدارية,لصدورها عن سلطة إدارية, ولارتباطها
بتسيير المرفق العام .
ذلك أن المعيار العضوي المعتمد عليه,
يهتم بالجهة المصدرة للقرار,أما المعيار المادي فهو ينظر في مضمونه والموضوع الذي
يتناوله, ومادامت هذه القرارات تؤثر في المراكز القانونية للأطراف, فإن الطعن فيها
من حيث المبدأ العام, يعود للقضاء الإداري.على أساس أن المحاكم الإدارية, هي صاحبة
الإختصاص و الولاية العامة للبث في طلبات إلغاء القرارات الإدارية, وذلك عملا
بمقتضيات المادتين 8 و20 من القانون رقم 41/90 المحدث للمحاكم الإدارية,إلا ما ثم
استثنائه من طرف المشرع, وأسند إختصاص النظر و البث فيه للمحاكم العادية.
وهكذا ذهب المشرع قبل التعديل
الأخير,لظهير التحفيظ العقاري, إلى تخويل الإختصاص في الطعن بشأن قرارات المحافظ
للقضاء العادي,عملا بمقتضيات الفصل 96 من ظهير التحفيظ العقاري. كما ذهب القضاء,
وخاصة اجتهادات محكمة النقض, إلى إخضاع قرارات المحافظ فيما يتعلق بمراقبة
المشروعية للقضاء الإداري,وذلك كلما تعلق الأمر بمواضيع لا تدخل في نطاق الفصل 96 .
أما التعديلات التي أتى بها القانون 07/14 على مستوى الإختصاص, فتتجه نحو توحيد
الإختصاص في بعض مواضيع قرارات المحافظ, مع التمسك باختصاص القضاء الإداري كأصل ,
بغض النظر عن موضوعها, وعلى اختصاص القضاء العادي كاستثناء, محصورا في بعض القرارات.و من تم, فقرارات المحافظ,
منها ما تخضع لرقابة القضاء العادي بصريح بعض النصوص القانونية, و البعض منها يبقى
خاضعا لرقابة المشروعية من طرف القضاء الإداري. بل اعتبر بعضها غير قابلة لأي طعن
قضائي, كما هو الحال بالنسبة لقرار رفض التعرض خارج الأجل، و قرار تأسيس الرسم
العقاري إثر التحفيظ. كما أن بعض القرارات الإيجابية ,كقرارات التقييد, و قرارات
التشطيب, و قرار الإيداع ,و قرار الإحالة على القضاء, قد لا تسلم هي الأخرى من
الطعن بالرغم من عدم التنصيص على ذلك.
ومن بين القرارات القابلة للطعن القضائي أمام المحاكم
العادية,التي نص عليها المشرع, نجد: قرار رفض المطلب كليا أو جزئيا (الفصول 37
و37مكررو38 من ظهير التحفيظ العقاري.والفصل 10 من القرار الوزيري المؤرخ في 3
يونيو 1915 والمعدل بتاريخ 8/12/1942),و قرار رفض التقييد(الفصول 65 و65مكررو70
و71 و72 ....من ظ. ت.ع),و قرار رفض التشطيب (الفصول 70-71-72-73-86-97-93....من ظ.ت.ع),وقرار رفض
التعرض داخل الأجل(الفصول24-25-26-27-29-31من ظ.ت.ع),وقرار عدم
قبول التصحيحات(الفصول91-97 من ظ.ت.ع),وقرار رفض تسليم نظير الرسم العقاري و
الشواهد الخاصة (الفصول.101-102-103من ظ.ت.ع).
وعليه, يتقاسم النظر والبث في الطعون
الموجهة ضد قرارات المحافظ كل من القضاء العادي و القضاء الإداري, و كذلك القضاء
الجنائي في بعض الأحيان.كما تثار إشكالية عدم قابلية بعض القرارات لأي طعن قضائي.
وهكذا, سوف نتناول هذا الموضوع من خلال
القرارات التي نص عليها المشرع بصريح النص القانوني, على قابلية الطعن فيها أمام
القضاء العادي, مقسمين هذا المبحث إلى مطلبين نتناول في المطلب الأول للقرارات
التي تتخذ قبل أو أثناء مسطرة التحفيظ ,كقرار إدراج المطلب (الفقرة الأولى) وقرار
رفض مطلب التحفيظ ( الفقرة الثانية) ونتناول بالدراسة والبحث في المطلب الثاني
للقرارات المتخذة من طرف المحافظ المرتبطة بالرسوم العقارية وهي :قرار التقييد و
قرار التشطيب (الفقرة الأولى) وقرار إصلاح الأخطاء المادية وقرار رفض تسليم نظير
الرسم العقاري و الشواهد الخاصة (الفقرة الثانية).
المطلب الأول : قرارات يتخذها المحافظ ترتبط بمسطرة
التحفيظ.
الفقرة الأول : قرار المحافظ
بشأن إدراج مطلب التحفيظ.
الملاحظ,أن المشرع المغربي لم
يتحدث صراحة عن قرار رفض إدراج مطلب التحفيظ, لكن الأمر يستشف من خلال إلزام طالب
التحفيظ تقديم مجموعة من الوثائق التي من شأنها التعريف بحق الملكية,و الحقوق
العينية المترتبة على العقار المراد تحفيظه.و بالتالي,قد يتخذ المحافظ قرارا برفض
إدراج مطلب التحفيظ, لسبب عدم إحترام مقتضيات الفصول 10 و 12 و 13 من ظهير التحفيظ
العقاري .كما يمكنه اتخاذ قرار, رفض إدراج مطلب التحفيظ, لأسباب أخرى, كالبيانات
التي تظهرها عملية التحديد الأولى لموقع العقار بمصلحة المسح العقاري، حيث يتخذ
المحافظ قرار رفض الطلب إذا تبين له أنه كان موضوع مطلب سبق إلغاؤه,أو موضوع تحديد
إداري مصادق عليه ,أو موضوع رسم عقاري.
و التساؤل المطروح, في حالة اتخاذ
المحافظ قرار رفض إدراج مطلب التحفيظ لأي سبب، هل هو ملزم باستدعاء المعني بالأمر
من أجل استكمال البيانات,أو الإدلاء بحجج إضافية ؟ و كيف يتمكن من إلزام المعني
بالقيام بذلك, و الحال أن المطلب لم يتم بعد إدراجه, حيث لا تنطبق عليه صفة طالب
التحفيظ ؟.
نرى أن تعامل المحافظ مع طالب
التحفيظ, يختلف تماما مع الراغب للوهلة الأولى بإيداع مطلب التحفيظ, ففي حالة
اتخاذ قرار الرفض, فإنه يستدعي المعني بالأمر من أجل تصحيح الوضعية, أو أداء
الواجبات دون التقيد بأجل قانوني محدد.
كما لم يحدد المشرع أجالا للمحافظ, من
أجل النظر في المطلب المقدم إليه، بل ترك له مرونة لاتخاذ ما يراه ملائما في هذه
الحالة, لكن مع ذلك, نعتقد أن تحديد أجل محدد للمحافظ من شأنه فتح الفرصة للمعني
بالأمر من أجل الطعن في قراره الضمني.
وقد يتبادر إلى الذهن أن قرار قبول المحافظ
إدراج مطلب تحفيظ لا يثير أي إشكال على الإطلاق, و بالتالي لا يمكن واقعيا الطعن
فيه, غير أن الحقيقة خلاف ذلك. فقرار
المحافظ سواء كان بالقبول أو الرفض, يمكن أن يكون موضوع طعن قضائي.أما بالنسبة
لمسألة الاختصاص, فإننا نرى أن الأمر يعود إلى القضاء العادي, وذلك قياسا على
المقتضيات التشريعية المتعلقة بقرار رفض مطلب التحفيظ,كما سوف نرى فيما بعد,مادامت
أسباب الرفض على العموم تكاد تكون متشابهة.ولذلك نرى بأن االفصل38 من ظهير التحفيظ
العقاري, يتحدث عن رفض التحفيظ بينما النطق السليم رفض إيداع المطلب ورفض المطلب.
الفقرة الثانية : قرار رفض مطلب التحفيظ.
أقر المشرع
المغربي بصريح الفصل 37 مكرر([1]) من ظهير
التحفيظ العقاري, قابلية قرار المحافظ "رفض التحفيظ" للطعن أمام القضاء.
ودون الخوض في موضوع السند القانوني الذي
يعتمد عليه في هذا الموضوع ؟ومتى يحق له اتخاذ هذا القرار؟والأسباب الداعية لاتخاذه
؟و ما مدى خضوع قراره للرقابة الإدارية و القضائية ؟ سنحاول التعرف عن الجهة
القضائية المخول لها البث في الطعن الموجه ضد رفض مطلب التحفيظ ؟
باستقرائنا للفصل 37 مكرر، نلاحظ أنه
لم يلزم المحافظ إنذار طالب التحفيظ مع إعطائه مهلة بأجل قانوني من
أجل تمكينه الاستجابة للأسباب الداعية لاتخاذ قرار الرفض, فقد تحدث فقط عن تعليل القرار
و تبليغه إلى طالب التحفيظ.
و التساؤل الذي قد يتبادر إلى الذهن,
ألا يمكن اعتبار عدم تعليل قرار رفض مطلب التحفيظ أو عدم إنذار طالب التحفيظ, سببا
لانعقاد الاختصاص للقضاء الإداري أثناء الطعن في قرار المحافظ ؟ وبالتالي تنازع
الإختصاص بين المحاكم الإدارية والعادية,خاصة مع وجود نقط التقاء في بعض الأحيان
بين قرار الرفض وقرار الإلغاء؟
أما بالنسبة للجهة التي خول لها المشرع
المغربي النظر في الطعن الموجه ضد قرار المحافظ رفض مطلب التحفيظ ، نلاحظ أنه
بتعدد أسباب الرفض و عدم حصرها, فالاختصاص مبدئيا يعود إلى المحاكم العادية فقط,
دون أن يكون بالإمكان رفعها أمام القضاء الإداري.غير أننا نرى في نفس الوقت أنه
ليس هناك مانع من أن ينظر القضاء الإداري[في دعوى إلغاء قرارات المحافظ رفض المطلب
بسبب الشطط في استعمال السلطة أو غير ذلك ],وذلك ما أكده حكم صادر عن المحكمة
الإدارية بالرباط بتاريخ 28/11/2013 ,جاء فيه ما يلي :"وحيث استقر اجتهاد
محكمة النقض أن الاختصاص يرجع للمحاكم الإدارية إذا كان قرار رفض المحافظ أو
امتناعه عن تأسيس رسم عقاري مرتبط بعدم تنفيذ حكم قضائي نهائي في الموضوع" ([2]).
وهكذا فكلما كان قرار الرفض ناتج عن
رفض تنفيذ حكم قضائي, فإن الإختصاص ينتقل من القضاء العادي إلى القضاء الإداري .
وبالتالي لا مجال للوقوف عند قراءة النص التشريعي الذي يخول الإختصاص في هذه
الحالة للقضاء العادي دون البحث عن الأسباب والدوافع و الإجراءات المحيطة بالقرار.
المطلب الثاني: قرارات المحافظ بشأن عمليات تتعلق بالرسوم
العقارية.
لقد أخضع المشرع المغربي بعض القرارات التي
يتخذها المحافظ العقاري بشأن الرسوم العقارية, للطعن القضائي, منها قرار رفض
التقييد أو رفض التشطيب, أو تلك المتعلقة بتصحيح الأخطاء, و غيرها من الحالات
الموجبة للطعن([3]).
الفقرة الأول : قرار رفض التقييد و رفض التشطيب.
أولا: قرار المحافظ رفض التقييد.
إذا كان المشرع المغربي قد أعطى للمحافظ سلطة
تقديرية واسعة في مراقبة و دراسة كل ما له ارتباط بتقييد الحقوق بالرسوم العقارية،
ففي المقابل أعطى الحق لمن يهمهم أمر التقييد, أن يطعنوا في قراره عند الرفض,محددا
للمحكمة الإبتدائية صلاحية الاختصاص بمقتضى الفصل 96 من ظهير التحفيظ العقاري, و
الفصل العاشر من القرار الوزاري المؤرخ في 3/6/1915 . وإذا كانت
الحالات التي تستوجب على المحافظ اتخاذ قرار الرفض, محصورة سابقا في عدم صحة
الطلب, و عدم كفاية الحجج المدلى بها من أجل التقييد، فإن الأمر يختلف مع
التعديلات التي أتى بها القانون رقم 07/14 حيث أصبحت لا تقتصر عليها فقط, و من هنا
يمكن القول أن المشرع وسع مجال اختصاص
القضاء العادي في مجال رفض
المحافظ تقييد الحقوق بالرسوم العقارية.
وإذا كان واضحا أن مراقبة قرارات
المحافظ رفض التقييد, هي من اختصاص القضاء العادي([4]), إلا أننا
نقف على بعض حالات رفض التقييد التي ثم التصدي لها من خلال القضاء الإداري.ذلك أن
نوع و موضوع القرار, هو المحدد لجهة الاختصاص القضائي. ([5])
و الملاحظ, أن المشرع المغربي,
يتطرق إلى الحالة التي يرفض فيها المحافظ العقاري تقييد حق عيني أو التشطيب عليه،
و لم يتحدث عن الحالة التي يتضرر فيها أحد الأطراف من القرار الإيجابي للمحافظ.و
نرى, أن هذه الوضعية ممكنة في حالة ما إذا تقدم شخص بطلب للمحافظ من أجل مراجعة
قرار تقييد معين أو تشطيب قام به و كان مصير طلبه رفض المحافظ العقاري([6]).
وعلى العموم يمكن القول أن المشرع
المغربي, بمقتضى تعديله للفصل 96 من ظ.ت.ع, لم يحصر الحالات التي تستوجب على المحافظ
اتخاذ قرار رفض التقييد ,وهذا التعديل, من شأنه أن يؤثر في مجال الإختصاص النوعي
للمحاكم([7]) المرتبط
بالطعن في قرار المحافظ، ذلك أن القضاء يفسر مقتضيات الفصل 96 تفسيرا ضيقا([8]). مما يجعلنا
نعتقد أن الإختصاص في الطعن, و النظر في قرارات المحافظ رفض التقييد، أصبحت محصورة
للقضاء العادي دون الإداري.
و مع ذلك ,فإن
هناك بعض الحالات التي تستوجب تدخل القضاء الإداري, كما سوف نتعرض لها لاحقا, منها
قرار الرفض الذي يكون موضوعها نزع الملكية و التي نرى أن الإختصاص يعود للمحاكم
الإدارية لارتباطها بمسطرة نزع الملكية.
وفي جميع الحالات يجب أن يكون قرار
المحافظ رفض التقييد معللا مع تبليغه للمعني بالأمر, الذي يمكن له الطعن فيه أمام
المحكمة الابتدائية , مع الحق في الاستئناف و الطعن بالنقض إن اقتضى الحال، و ذلك
داخل أجل شهر واحد من تاريخ التبليغ([9]).وعليه,
فإن انعقاد الاختصاص للمحاكم العادية, و إن كان رهينا باحترام المحافظ للإجراءات
المتعلقة بالتبليغ([10]), فإن ذلك
لا يسحب البساط عن القضاء العادي في حالة عدم قيامه بذلك,لأن القضاء العادي أثناء
تقييمه لقرار المحافظ رفض التقييد, يقوم في نفس الوقت بمراقبة مشروعية القرار,و هو
بذلك يقوم بنفس الدور الذي يقوم به القضاء الإداري , أثناء النظر في الطعون
الموجهة ضد المحافظ العقاري بسبب الشطط في استعمال السلطة.
ثانيا : الطعن
في قرار المحافظ المتعلق بالتشطيب على حق عيني أو رفضه.
وضع المشرع المغربي أحكاما خاصة,
تتعلق بانقضاء الحق المقيد، ومكن المحافظ العقاري من إمكانية التشطيب عليه,بمقتضى
الفصول 91/93/94/95/96 من ظهير التحفيظ العقاري.
و حتى لا يتم
التعسف في استعمال هذا الحق، حدد له الأسباب و الطرق التي يجب اتخاذها, في الفصل
91 من ظهير التحفيظ العقاري ([11]). فإذا ما
قرر المحافظ رفض طلب التشطيب لسبب ما, فإنه يكون مطالبا بتعليل قرار رفضه، حيث
يمكن لكل من يهمه الأمر أن يطعن فيه أمام المحكمة الإبتدائية و ذلك داخل أجل شهر
من تاريخ التبليغ, عملا بمقتضيات الفصل 96 من ظهير التحفيظ العقاري ,و الفصل
العاشر من القرار الوزيري المشار إليه سابقا.
و هذا ما أكده القضاء من خلال العديد
من الأحكام منها الحكم الصادر بتاريخ 22 يناير 1998 عن المحكمة الإدارية بالرباط و
التي جاء فيه ما يلي :" التشطيب على التقييد ليس من اختصاص المحاكم الإدارية
..." ([12]). كما جاء
في قرار لمحكمة النقض مؤرخ في 30 يونيو 2004 ما يلي:" تختص المحكمة
الابتدائية وحدها في النظر في رفض المحافظ على الأملاك العقارية تقييد حق عيني أو
التشطيب عليه "([13]).
و إذا كان الفصل 96 من ظهير التحفيظ
العقاري كما وقع تغييره, أصبح لا يحصر موضوع قرار الرفض ,فإن التساؤل نطرحه بشأن
القرارات الإيجابية التي يتخذها المحافظ في الموضوع, فقرارات التشطيب قد تحدث ضررا
من حق المتضرر الطعن فيها، فما هي الجهة القضائية المختصة للبث في الطعون الموجهة
ضدها ؟
نلاحظ أن المشرع المغربي لم ينص
صراحة على إمكانية الطعن في قرار المحافظ المتخذ بالتشطيب على الحقوق العينية
بالرسوم العقارية، خلافا لبعض التشريعات العربية كالقانون اللبناني المتعلق بإنشاء
السجل العقاري([14]).
مبدئيا, المحافظ العقاري لا يقوم
بإجراء التشطيب, إلا في إطار مقتضيات الفصل 91 من ظهير التحفيظ العقاري,والإحالة
المتعلقة بالتقييد الإحتياطي.و بالتالي فقرار التشطيب يجب أن يكون وفق ما نص عليه
القانون. لكن, قد يسبب قرار المحافظ, ضررا لأحد الأطراف المقيدة بالرسم العقاري,
أو لكل ذي مصلحة له ارتباط أو علاقة بالرسم العقاري, مما يعطي إمكانية الطعن في
قرار المحافظ أمام القضاء الإداري، لغياب مقتضيات تخول القضاء العادي النظر فيه.
و في تصورنا أن قرار المحافظ القاضي
بالتشطيب, يجب أن يخضع للرقابة القضائية أمام المحاكم الإدارية, عكس رفض التشطيب
الذي يعود الإختصاص للطعن فيه أما المحاكم العادية بموجب الفصل 96 من ظهير التحفيظ
العقاري.
وهكذا نستخلص, أنه يجب عدم الخلط بين
القرار الايجابي للمحافظ العقاري و القرار السلبي له, ذلك أن قرار التشطيب هو قرار
إيجابي , عكس قرار رفض التشطيب الذي هو قرار سلبي خاضع لمقتضيات الفصل 96 من ظهير
التحفيظ العقاري و الذي يخول الاختصاص للمحاكم العادية.
أما القرار الايجابي, فظهير التحفيظ العقاري لم
ينظم إمكانية الطعن فيه، و يخول بالتالي سكوته هذا, لكل متضرر منه اللجوء إلى
القضاء الإداري للمطالبة بإلغائه. بينما ذهبت دول عربية, إلى تنظيم طرق الطعن في
القرار الإيجابي كما هو الشأن بالنسبة للبنان, حيث يمكن الطعن في القرار الايجابي
نتيجة إجراء قيد أو ترقين من طرف كل شخص تضرر من قرار أمين السجل العقاري, وذلك
أمام المحكمة الإبتدائية ([15]). مع الحق
في الإستئناف.وذهب القضاء اللبناني في موضوع الطعن في القرار الايجابي بالتقييد
إلى عدم سريان هذا الطعن في مواجهة ذوي النية الحسنة([16]).
ولذلك, نستخلص أن القرارات السلبية
المتعلقة بالتشطيب, هي التي تكون موضوع طعن أمام القضاء العادي, أما القرارات
الإيجابية فإن إختصاص الطعن فيها يرجع للقضاء الإداري, نظرا لعدم وجود نص صريح
يخول الإختصاص للقضاء العادي, و بالتالي انتفاء الدعوى الموازية.وان كان البعض ([17])يرى أن
الطعن فيه يجب أن يتم بواسطة دعوى المسؤولية في إطار الفصل 97 من ظهير التحفيظ
العقاري ([18]).
-نطاق الرقابة القضائية على
قرارات المحافظ المتعلقة برفض التشطيب.
لا بأس بالتذكير, أن قرارات المحافظ
كما يعلم الجميع, هي قرارات إدارية, و أن المحافظ يعتبر سلطة إدارية وعليه,
فقراراته تقبل الإلغاء مبدئيا أمام المحاكم الإدارية اعتمادا على المعيار العضوي.و
لكن هذا المبدأ له استثناء, بوجود إمكانية المطالبة بإلغائه أمام القضاء العادي
بموجب الفصل 96 من ظهير التحفيظ العقاري([19]).
و قد كان القضاء فيما مضى, قبل
التعديل الذي أتى به القانون 07/14 يفسر الفصل 96, فيما يتعلق بانعقاد اختصاص
القضاء العادي تفسيرا ضيقا، حيث كان يقتصر الطعن أمام القضاء العادي على حالتين
فقط ,يتخذ بمقتضاها المحافظ قرار رفض التشطيب, و هما حالتي عدم صحة الطلب أو عدم
كفاية الرسوم، و خارج هاتين الحالتين ينعقد الإختصاص للقضاء الإداري([20])، وهذا
التفسير الذي دأب القضاء على الأخذ به ,أصبح حاليا متجاوزا بالنظر إلى الصيغة التي
أتى بها الفصل 96 و التي أزالت اقتصار سبب الرفض على الحالتين السالفتين, و تركت
الأمر مفتوحا لكي يعلل المحافظ قرار رفضه لأسباب قد تظهر له وفق نوع العملية
المراد اتخاذ القرار بشأنها.
و بناء عليه, يصبح موضوع قرار رفض
التشطيب غير ذي جدوى في مسألة اختصاص هذا القضاء أو ذاك. لكن الإشكال يبقى مطروحا
في مسالة تأويل موضوع التشطيب, لا من طرف المحافظ العقاري, أو القضاء.
و هكذا, نرى أن قرارات المحافظ رفض
التشطيب يكون الطعن فيها أمام القضاء العادي, بموجب الفصل 96 من ظهير التحفيظ
العقاري, كما وقع تغييره و تتميمه بمقتضى القانون 07/14, و ذلك كيفما كانت أسباب
رفض التشطيب. و بذلك أصبح منسجما مع مفهوم الطعن الذي أتى به الفصل 10 من القرار
الوزيري كما وقع تعديله بتاريخ 8 دجنبر 1942, حين نص على إمكانية الطعن في قرار
المحافظ العقاري برفض التشطيب دون إشارة لأسباب الرفض([21]).
غير أن القضاء الإداري, في بعض
قرارات رفض التشطيب, يعتبر نفسه صاحب الاختصاص للبث في الطعن الموجة ضد قرار
المحافظ , كالقضايا المتعلقة برفض التشطيب على مشروع نزع الملكية. إذ صدرت العديد
من الأحكام بانعقاد اختصاصها ([22]).
كما أن القضاء العادي هو الأخر سار
في نفس الاتجاه حيث يعقد الاختصاص إلى القضاء الإداري فيما يتعلق بقرار رفض
المحافظ التشطيب على مشروع نزع الملكية ([23]).
وهكذا, يتضح لنا أن إرادة المشرع
واضحة بخصوص توسيع نطاق الدعوى الموازية, بإخضاعه لكافة الطعون الموجهة ضد قرارات
رفض التقييد أو التشطيب للقضاء العادي, فهل الأمر كذلك بشأن إصلاح الأخطاء المادية
ورفض تسليم النظير و الشواهد الخاصة ؟
الفقرة الثانية : قرار إصلاح الأخطاء المادية ورفض تسليم
النظير والشواهد الخاصة.
أولا: قرار المحافظ
تصحيح الأخطاء المادية و الأغلاط و المخالفات.
تجدر الإشارة, أن
التصحيحات التي يقوم بها المحافظ , يجب أن لا تمس جوهر الحق المكتسب, وإلا كان
المحافظ معرضا للمساءلة ,وكان قراره معرضا للطعن فيه قضائيا, وفق الفصل 30 من
القرار الوزيري المؤرخ في 3 يونيو 1915([24]) .ولذلك, نذهب للقول, أن أي
تغيير أو إصلاح يتعلق بوضعية الرسم العقاري, والتي من شأنها المساس بحقوق الغير,
يجب أن يكون موضوع مراجعة قضائية,وبحضور الأطراف المعنية.
وما يمكن أن نلاحظه
بخصوص الطعن في قرار المحافظ المرتبط بالتصحيحات, كون الفصل 30 المشار إليه سابقا
يشير إلى المحكمة دون الإشارة إلى نوعها, حيث يطرح التساؤل ما المقصود من ذلك ؟ هل
المحكمة العادية أم المحكمة الإدارية ؟
فقرار المحافظ المتعلق بالتصحيح, وإن كان عمليا،
يتم عن طريق التشطيب, لا يجب من الناحية القانونية تكييفه تشطيبا لاختلاف النص
القانوني المنظم لكلا الحالتين، حيث أن التشطيب تحكمه مقتضيات الفصل 91 من ظ.ت.ع.
وهو يمس جوهر الحق المقيد, بينما قرار التصحيح ينظمه الفصل 29 من القرار الوزيري,
وهو لا يجب أن يمس الحق الناشئ لفائدة الغير ذوي النية الحسنة، كما أن الاختصاص
القضائي للنظر في الطعون المقدمة ضد قرار المحافظ العقاري بشأنهما , يختلف في
نظرنا ,حيث أن قرار رفض التشطيب يتم مبدئيا أمام المحكمة الابتدائية. أما قرار
التصحيح فينظر فيه أمام غرفة المشورة بنفس المحكمة,التي تبث في الأمر ابتدائيا وانتهائنا([25]).
ثانيا: قرار
رفض تسليم نظير الرسم العقاري والشواهد الخاصة:
إذا طلب
من المحافظ تسليم نظير رسم عقاري,أو شهادة خاصة, يمكن له بعد دراسة الطلب المقدم
إليه, أن يسلم المعني بالأمر ما طلبه وذلك, بعد القيام بعملية النشر بالجريدة
الرسمية, ومرور أجل الخمسة عشر يوما تحتسب من تاريخ النشر. والهدف من ذلك, هو
إتاحة الفرصة لكل من يهمه الأمر, بأن يتعرض على هذا التسليم, وهذا بطبيعة الحال
سيكون سببا لاتخاذ المحافظ قرار الرفض. كما يمكن للمحافظ أن يقرر رفض الطلب, إذا
لم تتكون لديه قناعة بالاستجابة للطلب([26]).
وفي هذه الحالة, ما العمل إذا رفض
المحافظ تسليم نظير الرسم العقاري أو الشهادة الخاصة ؟ .هذا, ما سنحاول الإجابة
عنه من خلال الفقرات التالية:الطعن في قرار المحافظ رفض تسليم نظير الرسم العقاري.
(1) و الطعن في قرار المحافظ رفض تسليم الشهادة العقارية الخاصة (2).
1 : الطعن في قرار المحافظ رفض تسليم النظير.
لقد أعطى المشرع
المغربي للمحافظ العقاري سلطة تقديرية لقبول أو رفض تسليم نسخة جديدة للنظير,عوض
تلك التي ضاعت,حيث لم يقيده بصيغة تلزمه، لهذا نتساءل عن حدود هذه السلطة ومدى
إمكانية رقابة القضاء عليها خاصة وأن المشرع استعمل في الفصل 101([27]) عبارة"إذا ما ظهر له",
التي توحي إعطاء المحافظ سلطة تقديرية واسعة, قد تدفعه لاتخاذ قراره بناء على
قناعته الشخصية وليس فقط الموضوعية. ونفس الشيء توحي به الصيغة الواردة في الفصل
103, الذي جاء فيه ما يلي:"... أو رأى المحافظ على الأملاك العقارية, أنه لا
داعي.....", حيث يفهم من ذلك, أن للمحافظ كامل الصلاحية في عدم تلبية طلب
المعني.
وكيف ما كان سبب
الرفض, فالجهة القضائية المختصة للنظر في هذه الطعون, هي المحاكم الابتدائية, وذلك
بصريح مقتضيات الفصل 103([28]). أما في ما مضى, فإن المشرع
سكت عن موضوع الاختصاص النوعي المتعلق بالطعن في هذا النوع من القرار, مما جعل
القضاء يعقد الاختصاص تارة للمحاكم العادية([29]), و في تارة أخرى عقد الاختصاص
للقضاء الإداري([30]).
والملاحظ, أن مقتضيات
الفصل 103 من ظهير التحفيظ العقاري,لا تنص صراحة على إمكانية استئناف الحكم الصادر
أو الطعن فيه بالنقض, كما أحال المشرع بالنسبة لإجراءات الطعن في هذا القرار على
تلك المنصوص عليها في قانون المسطرة
المدنية. وسكوت الفصل 103 من ظهير التحفيظ العقاري,لا يفهم منه أن المحكمة تصدر
حكما ابتدائيا ونهائيا في الموضوع، لأن الأمر لو كان كذلك, لنص المشرع عليه
صراحة.ولذلك فإن إمكانية الاستئناف والنقض تبقى واردة ما لم يتم التنصيص على هذا
المنع قانونا.
2- قرارات المحافظ بشأن تسليم الشهادة العقارية الخاصة.
من الواضح أن المشرع
المغربي خص لكل عقار محفظ رسما عقاريا, يعتبر بمثابة الحالة المدنية التي تعرف به,
وحصر أخذ نظير له للمالك وحده، وفي حالة الشياع, فإنه يسلم لمن فوض له أمر سحبه،
أما باقي المالكين فبإمكانهم الحصول على شهادات خاصة بالتقييد([31]). كما يحق لكل شخص يملك حقا عينيا على العقار المحفظ لحق السطحية مثلا, أو
صاحب حق الإيجار لمدة طويلة ,في طلب شهادة عقارية تثبت الحق الذي يتمتع به ([32]).
وقد نظم المشرع مقتضيات خاصة بهذه الشهادات
العقارية, بمقتضى القرار الوزيري الصادر
بتاريخ 3 يونيو 1915 . و بإمكان كل شخص ضاعت منه هذه الشهادة , أن يتقدم بطلب إلى
المحافظ قصد استلام نسخة جديدة , كما هو الحال بالنسبة لنظير الرسم العقاري, ولذلك
فإن المقتضيات المتعلقة باستجابة المحافظ أو رفضه , هي نفسها تلك المتعلقة بتسليم
نظير الرسم العقاري، حيث تعتبر المحكمة الابتدائية صاحبة الاختصاص للنظر في الدعوى
الموجهة ضد قرار المحافظ في هذا الموضوع, وذلك عملا بمقتضيات الفصل 103 من ظهير
التحفيظ العقاري .
وخلاصة القول, أن الطعن
القضائي في قرارات المحافظ العقاري بصفة عامة, نميز فيه بين مرحلتين أساسيتين,
مرحلة ما قبل التعديل التي جاء به القانون 04/14 و مرحلة ما بعده, ولتوضيح ذلك
باختصار نورد مايلي :
أ – مرحلة ما قبل صدور القانون
رقم 07/14.
في هذه الفترة كان قرار المحافظ العقاري
المتعلق سواء برفض التحفيظ أو رفض التقييد أو رفض التشطيب, ينظمه الفصل 96 من ظهير
التحفيظ العقاري, وربط تسبيب قرار الرفض بعدم صحة الطلب أو عدم كفاية الحجج المدلى
بها. و أوكل الاختصاص للبث في الطعن فيه للقضاء
العادي,الذي كان يبث فيه مع حق الأطراف في استئناف الحكم والنقض,مع ضرورة
تعليل المحافظ لقراره والطعن فيه داخل أجل الشهر من تاريخ التوصل بتبليغه .
ب- مرحلة ما بعد القانون 07/14.
نلاحظ أن المشرع المغربي
حذف من الفصل 96 من ظهير التحفيظ العقاري, قرار المحافظ رفض التحفيظ , الذي نظمه
بمقتضى فصل جديد هو الفصل 37 مكرر. واحتفظ للقضاء العادي بصلاحية البث والنظر في
الطعن الموجه ضد هذا القرار, مع توسيع موضوع الرفض ليشمل كل الأسباب عوض الاقتصار
على الرفض الناتج عن عدم صحة الطلب, أو عدم كفاية الحجج , مع ضرورة تعليل المحافظ لقراره
.
المبحث الثاني: الطعن
في قرارات المحافظ العقاري أمام القضاء الإداري.
تجدر الإشارة في البداية, إلى أن المشرع المغربي لم يقم بتحديد اختصاص
القضاء الإداري للبث في بعض القرارات الصادرة عن المحافظ العقاري بشكل صريح, ولعل
السبب يرجع لصعوبة حصر هذه القرارات من جهة ([33]), و لكون الاختصاص يعود في الأصل إلى المحاكم الإدارية,اعتبارا لكون
قراراته صادرة عن جهة إدارية, و لانعدام الدعوى الموازية .
و
لذلك,نقول أن المشرع المغربي,عندما قرر اختصاص المحاكم العادية للبث في بعض
القرارات بصريح النص القانوني, يكون ضمنيا يصرح باختصاص القضاء الإداري بالنسبة
لباقي القرارات.
المطلب الأول: رقابة القاضي
الإداري لقرارات المحافظ العقاري.
مما هو متعارف عليه, أن أعمال
الإدارة ظلت لمدة طويلة بعيدة عن المراقبة القضائية على الشكل الحديث, حيث كان
اللجوء إلى الطعن فيها يعني اللجوء إلى الخصم و الحكم ([34]) .
ومع تطور وظائف الدولة,أصبحت الضرورة تحتم
مقاضاة الإدارة, بشأن القرارات التي تتخذها, الشيء الذي دفع الدول إلى إنشاء محاكم تفصل في الدعاوي المرفوعة في
مواجهة قراراتها.وبالرغم من هذا التطور النوعي , لم يكن المغرب الحديث يعرف دعوى
الإلغاء فعليا. نظرا لظروف الحماية التي كانت مفروضة عليه, ونتيجة لذلك , لم يكن
للمتضرر من قرارات المحافظ سوى التظلم لدى المقيم العام ([35]) .
وبعد إحداث مؤسسة
المحافظ العام , أصبحت ترفع إليه هذه التظلمات,وبقي الوضع عليه إلى حين إنشاء
المجلس الأعلى(محكمة النقض حاليا) بغرفه الستة سنة 1957, حيث أوكل إليه الاختصاص
للنظر والبث في دعوى الإلغاء بسبب الشطط في استعمال السلطة, بما فيها القرارات
الصادرة عن المحافظ على الأملاك العقارية .
الفقرة الأولى: الأسس القانونية المعتمدة للطعن
بالإلغاء في قرار المحافظ .
لاستجلاء حيرة البعض, ممارسين وطلبة
باحثين, حيث يرون انعقاد الاختصاص في بعض الأحيان للقضاء الإداري, بالرغم من صراحة
النص التشريعي, وفي نفس الموضوع ينعقد للقضاء العادي, يتعين دراسة مدى توفر شروط
القرار الإداري في القرارات الصادرة عن المحافظ, حتى يتسنى للأطراف المعنية الطعن
فيه أمام القضاء الإداري ,سواء تعلق الأمر بقضاء الإلغاء أو القضاء
الشامل.متسائلين في نفس الوقت, ما المانع من أن ينظر القضاء الإداري في قرارات
أوكل المشرع الاختصاص فيها للقضاء العادي, متى كان قرار المحافظ العقاري مشوبا
بالشطط في استعمال السلطة أو غيرها من العيوب ؟
بل,نذهب إلى التساؤل عن إمكانية فحص شرعية
قرار المحافظ من طرف القضاء الإداري,ولو
خول المشرع للقضاء العادي
إمكانية النظر والبث في بعض القرارات الصادرة عن المحافظ, متى كان بإمكان المتضرر
الحصول على نتيجة أفضل ؟ ألا يمكن لهذه المحاكم تأجيل النطق بالحكم في قرارات
المحافظ إلى حين تقدير شرعية القرار من طرف القضاء الإداري , وذلك وفقا للمادة 8
من القانون 90/41 المتعلقة بالاختصاص النوعي, و المادة 44 من نفس القانون ؟ خاصة,
وأن الاختصاص النوعي,هو من النظام العام وفق مقتضيات المادة 12 من القانون 90/41.
وقد يبادر البعض بالقول, أليس هذا نوع من الخلط فيما يتعلق بالاختصاص؟
لكن, ألم تقم المحكمة الإدارية بمراكش في حكم لها مؤرخ في 27ابريل2002 ([36]), بالنظر
في قرار المحافظ العقاري الذي رفض تقييد حق عيني برسم عقاري دون أن يعلل قراره؟ مع
العلم أنه إذا نظرنا للموضوع من زاوية أخرى, نرى المشرع العقاري يعقد الاختصاص
للقضاء العادي فيما يتعلق برفض التقييد ,كما جاء في قرار صادر عن محكمة الاستئناف
الإدارية بمراكش مؤرخ في 11مارس1996 مايلي:" الدفع بعدم الاختصاص أمام
المحاكم العادية, يلزم هذه الأخيرة بإيقاف البث في الدعوى,و إحالة تقدير شرعية
القرار الإداري محل النزاع
على المحكمة الإدارية المختصة طبقا للمادة 44 من قانون المحاكم الإدارية"([37]).
و قبل الحديث عن الأساس القانوني الذي يحكم
الرقابة القضائية على قرارات المحافظ, و النقاش السائد حول طبيعته القانونية, لا
بد من التذكير و لو باختصار, بالتطور التاريخي الذي واكب هذه المراقبة القضائية
سواء قبل إنشاء محكمة النقض (سابقا المجلس الأعلى) و المحاكم الإدارية أو بعد
إحداثهما، و ذلك خارج النص التشريعي المتعلق بنظام التحفيظ العقاري و القرارات الوزارية
الصادرة بشأنه.
اولا : مراقبة قرارات المحافظ العقاري قبل إحداث
محكمة النقض(المجلس الأعلى سابقا)
والمحاكم الإدارية.
قبل سنة 1957 تاريخ إحداث المجلس
الأعلى, لم يكن المغرب يتوفر على قضاء يختص في الطعن الموجه ضد قرارات المحافظ
العقاري، حيث كانت المحاكم العصرية تنظر في بعض القضايا البسيطة الموجهة ضد
الإدارة بصفة عامة, من بينها دعوى التعويض عن الأضرار التي تحدثها الإدارة([38]).وكان القضاء المغربي ينظر في الطعون الموجهة ضد قرارات المحافظ, وفق
المنظومة التشريعية الموجودة آنذاك، والمقتبسة من القانون الفرنسي الذي كان يعتبر
القضاء العادي, هو الحامي الطبيعي لحق الملكية,ولذلك كان المتضرر من قرار المحافظ
يلتجأ إلى المقيم العام في إطار التظلم الاستعطافي .
وإذا كان موقف محكمة الاستئناف
بالرباط أكثر وضوحا في مسألة الطعن في قرارات المحافظ العقاري في حكم لها مؤرخ في
23 فبراير 1928([39]), حين اعتبرت
قراره إداريا, ففي الواقع, وبالرغم من هذا
الاجتهاد القضائي, و بالرغم من تطبيق معايير القرار الإداري على القرارات التي
يصدرها المحافظ , وفي ظل عدم وجود قضاء إداري متخصص لم تنتشر دعوى الإلغاء قي تلك
الفترة , إضافة إلى أن جل النصوص القانونية الصادرة في تلك المرحلة التاريخية
للدولة المغربية كانت تتجه إلى منع إصدار أوامر إلى الإدارة ([40])
.
و على الرغم من الظروف التي كان
يعرفها المغرب و التي كانت تقف حجر عثرة أمام الطعن في قرارات المحافظ العقاري
بصفة خاصة , و ضد الإدارة بصفة عامة, لم يكن ذلك عائقا في التفكير في إنشاء جهاز
قضائي يتولى مراقبة هذه القرارات, و هو ما نتج عنه إنشاء المجلس الأعلى , أو ما
يسمى حاليا محكمة النقض سنة 1957([41]).
ثانبا - مراقبة قرارات المحافظ بعد إنشاء المجلس
الأعلى(محكمة النقض) و إحداث المحاكم الإدارية.
أ- مراقبة محكمة النقض :
تم إحداث المجلس الأعلى(محكمة
النقض حاليا) بمقتضى ظهير شريف مؤرخ في 27 شتنبر 1957, و شرع مهامه بغرفه الستة يوم
3 أكتوبر 1957 ، حيث أسند للغرفة الإدارية مهمة النظر في دعاوي الإلغاء بسبب الشطط
في استعمال السلطة ([42]) . ومنذ تعديل
ظهير التحفيظ العقاري بتاريخ 28 مايو 1958. أصبحت قرارات المحافظ رفض التحفيظ أو
التقييد أو التشطيب قابلة للطعن أمام المجلس الأعلى(محكمة النقض حاليا).
و مع وجود نصوص قانونية تصرح باختصاص
القضاء العادي للنظر في الطعون الموجهة ضد قرارات المحافظ. كان الإشكال يطرح حول
إيجاد خيط فاصل بين القرارات التي تخضع لمراقبة القضاء العادي, و تلك التي تخضع
للطعن أمام الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى ,الشيء الذي جعل هذه الغرفة تضع قاعدة
أساسية ميزت من خلالها بين اختصاص كل من القضاء العادي و الإداري([43]) , حيث
اعتبرت الفصل 96 من ظهير التحفيظ العقاري استثناءا عن القاعدة العامة, التي تخول
القضاء الإداري صلاحية البث في الطعون المقدمة إليه بشأن قرارات المحافظ, و ذلك
انطلاقا من مقتضيات الفصل 353 من قانون المسطرة المدنية.
و في نظرنا, فإن الاجتهاد الذي قامت به
محكمة النقض بسنها للقاعدة التي تميز ما بين الطعن في قرارات المحافظ أمام القضاء
العادي, و الطعن فيها أمام المحاكم الإدارية, لم يكن كافيا لحل هذا الإشكال القائم
بين ما يخوله التشريع العقاري, و ما يكفله اختصاص القضاء الإداري .
وهذا
التوجه, يؤدي إلى القول بتوسيع نطاق القانون العام على حساب القانون الخاص, لتصبح
بذلك القرارات التي يتخذها المحافظ العقاري تعرف نوعا من الازدواجية. والتي تؤثر و
لا شك في فحص القرار, سواء أثناء عرضه أمام القضاء العادي, أو القضاء الإداري,
الشيء الذي ينعكس على الأحكام الصادرة في
الموضوع .
و بذلك,تطرح إشكالية التوفيق بين قضاء
الإلغاء و القضاء العادي في الموضوع, وهو ما يدفعنا للقول, بضرورة العمل على إيجاد
تكييف تشريعي واضح لاختصاصات القاضي الإداري في موضوع قرارات المحافظ, في إطار متناسق
و متناغم مع المنظومة التشريعية العقارية الحديثة .
ب- تطور موقف المحاكم
الإدارية تجاه قرارات المحافظ العقاري.
تبعا لتطور المجتمع المغربي , و تدخل الدولة
مباشرة في عدة مجالات, أصبح من الضروري إعطاء مزيد من الضمانات و الحقوق للأفراد
من أجل تحقيق التوازن بين المصالح الخاصة والمصلحة العامة , ولتحقيق توازن بين
هاتين المصلحتين, و تقريب القضاء من المواطنين, تم إحداث جهاز قضائي سمي بالمحاكم
الإدارية بمقتضى القانون رقم 90/41,وأعطيت له بمقتضى الفصل الثامن اختصاص البث في
طلبات الإلغاء الموجهة ضد القرارات الإدارية بسبب تجاوز السلطة,كما حددت المادة 20
منه, الحالات الموجبة للحكم بالإلغاء بسبب تجاوز السلطة في كل قرار إداري صدر عن
جهة غير مختصة, أو لعيب في الشكل, أو انعدام التعليل أو مخالفة القانون.
و إذا كانت هذه
الأسباب الداعية للطعن بالإلغاء وردت على سبيل المثال وليس الحصر، فإن الطعن في
قرارات المحافظ العقاري أمام المحاكم الإدارية, قصد المطالبة بإلغائه قد تتعدد
أسبابه.
والملاحظ , أن القضاء الإداري المغربي ينظر في
الطعون الموجهة ضد قرار المحافظ من زاوية تطبيق القاعدة القانونية, ويترك مجال الملائمة
للجهة التي قامت باتخاذه , و من ثم فهو يحصر مراقبة قرار المحافظ العقاري في
زاوية ضيقة, تتعلق بمفهومه و الشكل الذي
أتى به, و التعليل الذي علل به, ولذلك لا غرابة إن وجدنا أن جل الأحكام الصادرة في
موضوع قرارات المحافظ كما سوف نرى, جاءت كاشفة للقاعدة القانونية فقط .
الفقرة الثانية:
الطعن بدعوى الإلغاء في قرارات المحافظ العقاري .
لم
يعرف المغرب رقابة قضائية على القرارات التي تصدرها الإدارة العمومية بمفهومها
الحديث,إلا بعد سنة 1928([44]) ,حيث كانت الدعاوي
ترفع فقط من طرف الموظفين الذين يعملون بالإدارة الفرنسية المتواجدة داخل المغرب,و
كانت تتعلق بموضوع محدد, يهم فقط نظامهم الأساسي, وكان اختصاص البث في هذه الطعون
يعقد لمجلس الدولة الفرنسي في إطار مراقبة مشروعية القرار.
وإذا كانت
محكمة النقض, تعتبر دعوى الإلغاء من النظام العام, بحيث توجه ضد جميع القرارات
الإدارية,و بذلك لا تحتاج لنص خاص,إلا أن الإشكال يطرح بشأن بعض القرارات التي نص
المشرع صراحة بعدم قابليتها للطعن بالإلغاء, كقرار المحافظ تحفيظ عقار,أو قرار رفض
التعرض خارج الأجل,خاصة مع وجود الفصل 353 من قانون المسطرة المدنية,و الفصل 8 من
قانون إحداث المحاكم الإدارية,اللذان ينصان على أن القضاء الإداري لا يبث في
الطعون الرامية إلى إلغاء قرارات صادرة عن السلطة الإدارية للشطط في استعمال
السلطة , إذا كان هناك نص صريح يقضي بخلاف ذلك.فكيف يمكن لنا التوفيق بين مقتضيات
الفصلين 29 و 62 من ظهير التحفيظ العقاري, و مقتضيات المادة الثامنة من قانون
90/41 ؟.
ذلك ما سنحاول الإجابة عنه من
خلال إشكالية ازدواج الإختصاص القضائي المتعلقة بقرارات المحافظ.خاصة ما يتعلق بانتفاء
الدعوى الموازية
لكي تقام دعوى الإلغاء بسبب الشطط
في استعمال السلطة, يجب أن لا تكون هناك إمكانية تخول للطاعن المطالبة بحقوقه أمام
القضاء العادي.وذلك تبعا لما جاء في الفصل 360 من قانون المسطرة المدنية,و المادة
23 من قانون 90/41 المحدث بموجبه المحاكم الإدارية .التي جاء في فقرتها الأخيرة ما
يلي:" لا يقبل الطلب الهادف إلى إلغاء قرارات إدارية, إذا كان في وسع
المعنيين بالأمر أن يطالبوا بما يدعونه من حقوق, عن طريق الطعن العادي أمام القضاء
الشامل ".([45]). ويظهر أن البحث في توفر شرط الدعوى
الموازية, يبدو أكثر وضوحا عند الطعن في قرارات المحافظ ,حيث وردت إمكانية الطعن
أمام المحكمة الابتدائية بوضوح, في بعض فصول ظهير التحفيظ العقاري ,و القرار الوزيري
المؤرخ في 3 يوليو 1915([46]).حيث
مبدئيا,تعتبر كل القرارات التي نص المشرع على الطعن فيها أمام القضاء العادي,
دعاوي موازية.
و بالرغم من هذه المقتضيات القانونية
الصريحة,وبالرغم من دفع المحافظ العقاري في كثير من القضايا بعدم الاختصاص النوعي
لوجود دعوى موازية,نتفاجأ بصدور أحكام
قضائية تسير في الاتجاه المعاكس.
و لكن, إذا اكتفينا بالزاوية التي ينظر
إليها المحافظ للأمر, ستجعلنا نسير في تحليلنا للموضوع تحليلا ضيقا, لا يأخذ بعين
الاعتبار خصوصيات قرارات المحافظ وطبيعة عمله , ذلك أن قرارات المحافظ لها وضع خاص
داخل المنظومة القانونية المغربية([47])
,و التي يترتب عنها ازدواجية الاختصاص القضائي.
فعدم التنصيص صراحة من طرف
المشرع المغربي بانعقاد الاختصاص للنظر في الطعون الموجهة ضد قرارات المحافظ أمام
جهة واحدة بدل هذه الازدواجية, يطرح أكثر من تساؤل خاصة و أن القضاء الإداري,
يعتبر نفسه المختص بالنظر في الطعون الموجهة ضد قرارات المحافظ كلما كانت تهدف إلى إلغائه, و نادرا ما يحكم
بعدم اختصاصه([48]). وهو ما
لاحظه العديد من الباحثين([49]) أثناء
تناولهم لموضوع الطعن في قرارات المحافظ العقاري, ولذلك نلاحظ أن هذا النوع من
الطعون تتجاذبه كلا المحكمتين العادية و الإدارية.
المطلب
الثاني: قرارات لم يحدد لها المشرع
العقاري جهة للطعن فيها.
الفقرة الأولى: قرار المحافظ
العقاري بشأن التعرض داخل الأجل:
للمحافظ
صلاحية إقرار قبول التعرض أو رفضه أو التشطيب عليه وإقامة الصلح بشأنه, بالإضافة
إلى إلغائه.فإلى أي مدى تعتبر قراراته برفض التعرض المقدم داخل الأجل القانوني
قابلة للطعن القضائي ؟
قد يتخذ
المحافظ على الأملاك العقارية قرارا برفض قبول طلب التعرض المقدم إليه في حالة
انتفاء أحد الشروط الشكلية المتطلبة قانونا([50]).و هذه
الشروط الشكلية تختلف عن الشروط الجوهرية, حيث تشمل الصفة و المصلحة و الأهلية
,والتمثيل القانوني.و مع ذلك, لم ينص المشرع المغربي على إمكانية الطعن في قرار
المحافظ رفض قبول التعرض بسبب عدم توفر الشروط الشكلية. و من ثم, اتجه بعض الفقه
إلى القول بأن قرارات المحافظ الغير قابلة للطعن, هي القرارات التي لا ينص التشريع
المغربي على أي مقتضى لجواز الطعن فيها، و لو أضرت بطرف معين, فعليه تحمل نتائج
ذلك ([51]) .
و لكن الرأي عندنا, أن قرار المحافظ رفض التعرض
لعدم توفر الشروط الشكلية, ولو لم ينص على
إمكانية الطعن فيه من طرف المشرع، فإن هذا القرار تتوفر فيه مقومات القرار
الإداري, و يخضع لمراقبة القضاء الإداري, اعتبارا لمبدأ الشرعية, شأنه شأن باقي
القرارات الإدارية الأخرى. فما هي الأسباب الداعية لاتخاذ قرار رفض التعرض؟
عمليا,
قليلا ما يتخذ المحافظ العقاري قرارا برفض التعرض, خاصة و أن المبدأ الذي تنهجه
إدارة المحافظة العقارية, هو تأويل أي شك في مصداقية طلب المتعرض لفائدته, نظرا
للانعكاسات التي قد يسببها قرار الرفض. و كان جل الباحثين و الدارسين لقرارات
المحافظ بهذا الخصوص, يعتبرونها قابلة للاستئناف و ليس للطعن, على أن يتم ذلك أمام
المحكمة الإبتدائية داخل أجل قدره 15 يوما من تاريخ تبليغ قرار الرفض لطلب التعرض.و
تبث فيه بصفة استعجاليه، وقرارها
يكون مبرما غير قابل لأي طعن([52]).لكن
المشرع المغربي, بمقتضى التعديل الذي عرفه الفصل 32 من ظهير التحفيظ العقاري، تخلى
عن هذه المسطرة, و كأنه يحاول توحيد مسطرة الطعن, لا فرق في ذلك بين رفض و إلغاء
المطلب أو رفض و إلغاء التعرض.
و من خلال المستجدات التي أتى بها
المشرع بتعديله لمقتضيات الفصل 32 بمقتضى القانون 07/14 ,و حذفه للفقرة الثالثة
التي كانت تنص على إمكانية الطعن في قرار المحافظ إلغاء التعرض أمام المحكمة
الابتدائية، فمن شان هذا السكوت عن إمكانية الطعن والجهة القضائية المختصة, أن
يطرح العديد من التساؤلات في الموضوع، و عن الآثار المترتبة عن هذا الحذف.
فهل
معنى ذلك أن قرار المحافظ في هذا الموضوع أصبح غير قابل للطعن القضائي ؟ أم يفهم
من ذلك فقط سحب البساط عن القضاء العادي, و منحه للقضاء الإداري, على اعتبار
انتفاء الدعوى الموازية ؟
في اعتقادنا,عدم وجود أية إشارة في الفصل 32 المذكور,
لا يعني أن قراره نهائي غير قابل للطعن القضائي، ذلك أنه إذا نظرنا للموضوع من
خلال مختلف نصوص قانون التحفيظ العقاري، فإننا لا نجد أن المشرع استثنى صراحة
إمكانية الطعن في قرار المحافظ إلغاء التعرض قياسا مع المقتضيات الأخرى, التي نص
فيها المشرع صراحة على ذلك, كما هو الحال بالنسبة لقرار التحفيظ و قرار رفض التعرض
المقدم خارج الأجل دون سبب معقول.
كما نرى, أن عدم الإشارة إلى إمكانية
الطعن في قرار المحافظ بشان التعرضات, لا يعفي القيام بذلك خاصة و أن الدستور
المغربي الجديد, يضمن لكل شخص متضرر الحق في مخاصمة القرار الإداري, و التي تعتبر
قرارات المحافظ من ضمنها.
أما و قد حذف المشرع التنصيص على ذلك
صراحة, فهذا في نظرنا يغير من قواعد الاختصاص القضائي, حيث نرى أن الاختصاص سينتقل
من القضاء العادي إلى القضاء الإداري.الذي يبسط رقابته على قرارات المحافظ,
لمراقبة الإجراءات التي قام بها, قبل و بعد إقدامه على اتخاذ قراره, و التحقق كذلك
من استكمال المدة الزمنية، و هذا في الحقيقة مجال مراقبة القضاء الإداري، وفقا
للمبادئ العامة التي يشير إليها القانون رقم 41/90 المحدث للمحاكم الإدارية بسبب
انتفاء الدعوى الموازية.
و من ثم نرى, كذلك أن أجل الطعن في قرار
المحافظ إلغاء التعرض, و الذي كان خمسة عشر يوما, ابتداء من تاريخ تبليغ القرار
المذكور للمتعرض, سيصبح بعد هذا التعديل شهرين, تحتسب من تاريخ تبليغ القرار
للمتعرض وفقا لمسطرة التقاضي أمام المحاكم الإدارية, أو من تاريخ العلم اليقيني
بقرار المحافظ وفق الاجتهاد القضائي([53]).مع
الإشارة إلى أن درجة التقاضي أصبح على درجتين أو ثلاث, بعدما كان ينص الفصل السابق
على بث المحكمة الابتدائية في الطلب بصفة نهائية.
الفقرة الثانية : قرار المحافظ إلغاء مطلب التحفيظ. نظم
المشرع المغربي, إلغاء مطلب التحفيظ بمقتضى الفصلين 23 و50 من ظهير التحفيظ
العقاري([54]), و كان
المحافظ قبل التعديل الجديد لظهير التحفيظ العقاري, يتخذ قراره في الموضوع ,إما
بسبب تقاعس طالب التحفيظ, أو بناء على أحكام
قضائية نهائية قضت بصحة التعرض الكلي.ولذلك لم يكن من المنطق أن يفكر طالب
التحفيظ في الطعن في قرار المحافظ.
و
من المعلوم أن إمكانية إتخاذ المحافظ قرار الإلغاء, بسبب صدور أحكام نهائية تقضي
بصحة التعرض كليا, أصبحت غير ممكنة في إطار القانون الجديد رقم 07/14,حيث أصبح
المحافظ ملزما باتخاذ قرار الإعلان عن حق المتعرض المحكوم بصحة تعرضه, بواسطة
خلاصة إصلاحية في إطار الفصل 83 من ظهير التحفيظ العقاري ، وبذلك لم يعد من الممكن اتخاذ قرار إلغاء المطلب بناء على أحكام قضائية إلا في حالة التعارض
المتبادل بين مطلبين أو أكثر، حيث يكون
المحافظ مضطرا لاتخاذ قرار إلغاء المطلب, الذي قضى بعدم صحته و الإبقاء على المطلب
الآخر.
فما هي إذن الأسباب التي تكون وراء
اتخاذ المحافظ قرار إلغاء المطلب ؟ و ما هي الإمكانية المتاحة للطعن في هذا القرار
بالنسبة للمتضرر منه ؟ و ما هي الجهة المختصة للبث فيه ؟
أولا : أسباب إلغاء مطلب التحفيظ.
إن مقتضيات الفصلين 23([55]) و 50 من
ظهير التحفيظ العقاري, جاءت واضحة بخصوص الأسباب الداعية لاتخاذ المحافظ قرار الإلغاء ,وهي عدم حضور طالب التحفيظ أو من
ينوب عنه لإجراء عملية التحديد([56]), أو عدم
قيامه بما يلزم لمتابعة الإجراءات المسطرية بعد إنذاره, ومضي أجل ثلاثة أشهر من
يوم تبليغه([57]).
وحتى لا يتم الخلط بين مقتضيات الفصلين
23 و 50 من ظهير التحفيظ العقاري سنتولى دراسة قرار الإلغاء وفق كل فصل على حدة.
1-
قرار المحافظ إلغاء مطلب التحفيظ استنادا على مقتضيات الفصل 23 من ظ.ت.ع.
ينص الفصل 23 من ظهير التحفيظ العقاري على ثلاث
حالات تستوجب على المحافظ اتخاذ قرار إلغاء مطلب التحفيظ,و هي كلها عبارة عن أحداث
ووقائع لها علاقة بمحاولة إجراء عملية التحديد. و
برجوعنا إلى مقتضيات الفصلين 22 و 23 من ظهير التحفيظ العقاري, و دراسة الأسباب
التي تدفع المحافظ لاتخاذ هذا القرار، يتبادر إلينا التساؤل عن إمكانية الطعن في
القرار المتخذ من طرف المحافظ ؟
و للإجابة
عن هذا التساؤل, تجدر الإشارة إلى أن هناك موقفين للفقه متعارضين في هذا الموضوع :
جانب من الفقه([58]), يرى
إمكانية الطعن في قرار المحافظ إلغاء المطلب بسبب عدم حضور طالب التحفيظ عملية
التحديد, كما اعتبر أن قرار إلغاء المطلب في إطار عملية التحفيظ الجماعي للأملاك
القروية([59]), قرار غير
قابل للطعن. وبرر ذلك بكون الحالة الأولى تقتضي من المحافظ توجيه إنذار لطالب التحفيظ,
أما الحالة الثانية فإن عملية التحديد تتم ولو بدون حضور المعني بالأمر, حيث يمكن
لطالب التحفيظ الموافقة عليها فيما بعد.
و حقيقة الأمر, لا يحق للمحافظ أن
يتخذ قرارا بإلغاء مطلب التحفيظ أو أن
يعتبره ملغى و كأن لم يكن, إلا بعد قيامه بتوجيه إنذار لطالب التحفيظ, و توصل هذا
الأخير و عدم استجابته. وذهب اتجاه
آخر([60]), إلى
اعتبار شكلية توجيه الإنذار, على العكس, هي قرينة قوية تؤكد عدم قابلية قرار
المحافظ إلغاء المطلب للطعن, فعدم حضور طالب التحفيظ الفعلي, أو بواسطة نائب
قانوني لعملية التحديد, وعدم الاستجابة لمتابعة الإجراءات بالرغم من إنذاره, هو
خير دليل على عدم جدية طالب التحفيظ, و لذلك يجب أن يحرم من إمكانية الطعن.
أما بخصوص اتخاذ قرار الإلغاء لتعذر
انجاز عملية التحديد لمرتين متتاليتين بسبب عرقلة المهندس المساح الناتج عن نزاع
حول الملك, فإننا نتساءل عن الهدف من إمكانية تسخير القوة العمومية([61]) من طرف
وكيل الملك في حالة خشية عرقلة إجراء عملية التحديد. و عليه فهل المحافظ ملزم قبل
اتخاذ قرار الإلغاء بسبب تعذر انجاز التحديد لمرتين متتاليتين بسبب نزاع حول الملك,
أن يكون قد قام سابقا بطلب تسخير القوة العمومية عملا بمقتضيات الفصل 20 من قانون
14/07 ؟ و هل عدم اللجوء إلى هذا الإجراء يعد سببا موجبا للطعن في قرار المحافظ
إلغاء المطلب بسبب عدم المشروعية ؟
و في اعتقادنا,أن قرار المحافظ
إلغاء المطلب لهذا السبب, يجب أن يكون مبنيا على تقارير السلطة المحلية, أو مراسلة
من النيابة العامة تفيد أن من شأن القيام بعملية التحديد أن تثير مواجهة من شأنها
المساس بالنظام العام([62]), وإلا كان
قراره معرضا للطعن فيه بالإلغاء.
و يظهر أن المحافظ العقاري في
الحالة التي يتغيب فيها طالب التحفيظ عن إجراء عملية التحفيظ، لا يعدو أن يكون
كاشفا بقراره عن إلغاء المطلب.ذلك أن الصيغة, التي أتى بها الفصل 23 من ظهير
التحفيظ العقاري,توحي بجلاء أن أثر الإلغاء ينشأ تلقائيا بمجرد تحقق واقعة الغياب,
أو عدم القيام بما يلزم . فالمصطلح الذي استعمله المشرع " يعتبر لاغيا
", لا يفيد ضرورة اتخاذ قرار الإلغاء, فقد يتم حفظ ملف بأرشيف المحافظة
العقارية دون متابعة المسطرة, فإذا استجاب طالب التحفيظ بعد إنذاره, يمكن للمحافظ
متابعة الإجراءات المسطرية, و تكون الاستجابة بتقديم طلب للمحافظ, مع أداء واجبات انتقال المهندس
المساح لإجراء عملية التحديد من جديد, و ذلك دون سلوك مسطرة إيداع المطلب من جديد, و أداء واجبات جديدة.أما إذا اتخذ
المحافظ قرار الإلغاء, فإن الأسباب الموجبة لذلك, تكون هي عدم الاستجابة للإنذار
الموجه لطالب التحفيظ, و ليس عدم حضوره عملية التحديد في حد ذاتها.
و
كذلك الشأن بالنسبة للحالة التي يكون سبب الإلغاء, عدم انجاز عملية التحديد لوجود
نزاع حول العقار. فالسبب المباشر المؤثر في اتخاذ المحافظ قرار الإلغاء, ليس عدم
إجراء العملية في حد ذاتها, و إنما الإشارة في محضر التحديد إلى وجود نزاع حال دون
ذلك, وتوصل المحافظ من طرف السلطة المحلية أو النيابة العامة ما يفيد أن من شأن
عملية التحديد المساس بالنظام العام.
2- قرار المحافظ إلغاء مطلب التحفيظ استنادا
على الفصل 50 من ظ.ت.ع.
نظم المشرع المغربي كذلك حالة إلغاء
المطلب بسبب عدم متابعة الإجراءات المسطرية من طرف طالب التحفيظ و ذلك في الفصل 50
من ظهير التحفيظ العقاري.
قد يتبادر إلى الذهن للوهلة الأولى, أن هناك
تداخلا و تشابها بين الأسباب الموجبة لاتخاذ المحافظ قرار الإلغاء بناء على
مقتضيات الفصل 32, و تلك المشار إليها في الفصل 50, على اعتبار أن حالة التغيب عن
عملية التحديد أو عدم توفير ما يلزم لتحقيق ذلك, تشملها كذلك الحالة المذكورة في
الفصل 50, و المتعلقة بعدم متابعة المسطرة.وإن كان هذا الاعتقاد إلى حد ما جائزا,
إلا أن إعمال مقتضيات الفصل 50, يستوجب إبعاد الحالات المشار إليها في الفصل 23 من
ظهير التحفيظ العقاري. وبالتالي, فالفصل 50 يشمل جميع الحالات الأخرى الغير واردة بالفصل
23. كما أن المشرع لم يحصر حالة إلغاء المطلب في الفصل 50, ولذلك جاء مدلوله عاما,
مما يفهم منه أن المشرع أعطى للمحافظ سلطة تقدير أسباب الإلغاء.
غير أن
السؤال الذي يطرح نفسه في هذا الإطار,ما حدود سلطة المحافظ في اتخاذ قرار الإلغاء
بعد انصرام الآجال القانونية الممنوحة لطالب التحفيظ دون قيامه بما يلزم لمتابعة
مسطرة التحفيظ ؟و بعبارة أخرى, هل هذه السلطة المخولة للمحافظ تعطيه الحق في استعمالها, و
اتخاذ قرار إلغاء المطلب بصفة تلقائية ؟ أم عليه السعي إلى حث طالب التحفيظ على
متابعة المسطرة ؟
هذا, وقد أخضع المشرع المغربي قرار
المحافظ القاضي بإلغاء مطلب التحفيظ, لشكليات معينة, تتعلق بالإنذار المنصوص عليه
في الفصل 50.و إلا كان قراره معرضا للإبطال، و مشوبا بتجاوز السلطة.كما أن القانون
رقم 07/14, ألزمه بإنذار طالب التحفيظ, مع احترام الآجال التي تقلصت إلى ثلاثة
أشهر من تاريخ التبليغ. كما ألزمه المشرع من خلال القانون01/03([63]),بتعليل
قراراته السلبية تعليلا كافيا, و بالتبعية فإن قراراته السلبية كلها قابلة للطعن
فيها أمام القضاء, باستثناء الحالات المنصوص عليها صراحة في ظهير التحفيظ العقاري.
([64]).
و في جميع الأحوال, مضمون المادتين
23 و 50 من ظهير التحفيظ العقاري, يوحي بأن المطلب يعتبر ملغى بقوة القانون, و
لذلك نجد المشرع لم يتعرض لإمكانية الطعن في قرار إلغاء المطلب و سكت عن الموضوع.
ثانيا :إمكانية الطعن في قرار المحافظ إلغاء مطلب التحفيظ أمام القضاء
الإداري.
سكوت المشرع على إمكانية الطعن في
قرار المحافظ إلغاء المطلب بناء على الفصلين 23 و 50 من ظهير التحفيظ العقاري, لا
يعفي القضاء من مراقبة مدى احترام المحافظ للإجراءات السابقة لاتخاذ قراره.
فإذا كانت سلامة مسطرة التحفيظ من
اختصاص المحافظ, فإن القضاء يبسط رقابته على قرارات المحافظ من حيث الشكل, عندما
يلجأ المتضرر إلى المحاكم للطعن في قراره, حيث يتحقق من قيامه بإنذار طالب التحفيظ
و توصل هذا الأخير.فالقضاء يبسط سلطته لمراقبة صحة الأسباب الداعية لاتخاذ المحافظ
قرار الإلغاء.
و من خلال ما تقدم, نستنتج أن المشرع
قد تطرق إلى مسألة رفض مطلب التحفيظ كما تناول إلغائه، و إن كانا يختلفان من حيث
الأسباب, فإن النتيجة تبقى واحدة وتبقى كذلك إمكانية الطعن في هذه القرارات أمام
القضاء واردة. ([65]).
وكان القضاء يعقد الاختصاص للطعن في
قرار المحافظ أمام القضاء العادي ([66]), ولكن نرى
أنه مع سكوت التشريع العقاري عن موضوع الطعن, فإنه مبدئيا يعود الاختصاص للبث فيه
إلى القضاء الإداري, باعتباره الأصل, و الاستثناء, هو ما نص عليه المشرع بنص
صريح.لذلك, نستبعد إمكانية الطعن أمام القضاء العادي, لأن الذي سوف يناقشه القضاء
في هذه الحالة, هي مراقبة مشروعية القرار, من خلال الإجراءات التي يتعين على
المحافظ القيام بها قبل اتخاذ قراره.
و من ثم يتبين بالتبعية, أن سلطة المحافظ
في هذا المجال, ليست مطلقة, و إنما مقيدة بضرورة احترام المقتضيات التي وردت في
الفصل 50 من ظهير التحفيظ العقاري.
خاتمة:
في الختام , أقول بأنه بالرغم من كون الرقابة القضائية
على أعمال و قرارات المحافظ ,حضيت بقسط من المراجعة, إثر صدور القانون رقم
07/14المعدل و المتمم لظهير 12 غشت 1913, إلا أن التساؤل بقي مطروحا بخصوص
المقتضيات الجديدة و مدى توفق المشرع في هذا الموضوع ؟ حيث نستخلص ملاحظتين
أساسيتين .
من خلال قراءة, للمقتضيات التي جاء
بها التعديل الجديد, نلاحظ أن المشرع حاول أن يبعد قرارات المحافظ عن رقابة القضاء
الإداري.و ذلك في اتجاه معاكس تماما لكل التوجهات التي استقر عليها القضاء
الإداري, التي كرست اختصاص المحاكم الإدارية بإلغاء قرارات المحا فظ كقاعدة عامة.و
لذلك, حاول أن يوسع من نطاق الدعوة الموازية وحاول أن يحصن تشريعيا بعض قرارات
المحافظ, سواء بصفة صريحة أو ضمنية بما هو متعارض مع المقتضيات الفصل 118 من دستور
2011.
وبناء على مقتضيات هذا الفصل الدستوري ,
ثم وضع حد في نظرنا للجدل القائم حول طبيعة القرارات التي يتخذها المحافظ, ومن ثم
أصبح القضاء الإداري في المغرب مطالبا بتبني المعيار المادي الموضوعي إلى جانب
المعيار الشكلي العضوي . إذ يتعين عليه أن لا ينظر إلى الجهة المتخذة للقرار
لتقرير اختصاص القضاء الإداري,و إنما يتعين عليه البحث في طبيعة و موضوع القرار
الإداري ليقرر انعقاد الاختصاص لهذه المحكمة أو تلك .
كما اتضح لنا أن المشرع المغربي من
خلال مقتضيات الفصل 37 مكرر, والفصل 96 من ظهير التحفيظ العقاري, حاول التوجه نحو
توسيع مجال الدعوة الموازية, ليجعل كل قرارات المحافظ المتعلقة برفض التحفيظ أو
رفض تقييد حق عيني أو تشطيب عليه قابلة للطعن أمام المحاكم الابتدائية, وهذا توجه
يتعارض مع الاجتهادات القضائية العديدة التي أشرت إليها في البحث, و يتعارض كذلك
مع دعوى الإلغاء كدعوى القانون العام, التي يمكن للمعني بالأمر توجيهها في مواجهة
جميع القرارات الإدارية ما لم يوجد نص صريح يجيز للمتضرر تقديم دعوى موازية, إذا
كان من شأنها تحقق نفس النتائج التي تحققها دعوى الإلغاء .
والملاحظة الثانية, إن توسيع مجال
الدعوى الموازية لا يحول دون نظر القضاء الإداري و البث في الطعون الموجهة ضد
قرارات المحافظ الأخرى.خاصة, أن القضاء
الإداري يلعب دورا فعالا في إنشاء القاعدة القانونية, لن يتوانى في حماية الشرعية
المنصوص عليها دستوريا .
وفي جميع الأحوال , يمكن القول أن
توزيع الاختصاص يساهم في تشتيت ذهن المتقاضي ويضعف من مبدأ الأمن القضائي, وتفاديا
كذلك لتشتت المنازعة في قرارات المحافظ بين عدة أنظمة قانونية ,الشيء الذي قد يؤدي
إلى تضارب وتعارض الأحكام من حيث الجوهر والمساس بالحق, خاصة وأن المفهوم الحديث
لحسن سير العدالة, أصبح لا يقتصر فقط على السرعة في التقاضي وحسن تدبير شؤون
العدالة, بل تطور إلى أبعد من ذلك حيث أصبح البحث عن تخويل المتقاضي الآليات و
الهيئة القضائية الأكثر ملائمة للبث في المنازعة.
و مما لاشك فيه, إن تضارب الإختصاص
القضائي في مجال الطعن في قرارات المحافظ سيظل دائما يثير جدلا مما نخلص معه إلى
إقرار الاقتراحات التالية :
* إحداث محاكم عقارية متخصصة على غرار المحاكم
التجارية و المحاكم الإدارية من أجل تسريع وثيرة البث في القضايا المعروضة ,بما
فيها الطعون الموجهة ضد قرارات المحافظ .
* ومما لا جدال فيه, إن إحداث قضاء عقاري
متخصص يستدعي مواكبة ذلك بمجموعة من التدابير المرافقة ,وفي مقدمتها إحداث معهد
متخصص لتكوين المحافظين المقبلين على تحمل المسؤولية , مع تبسيط مساطر التقاضي .
* كما ينبغي ربط جسور التواصل بين مختلف
المتدخلين في قضايا العقار مع إدارة المحافظة العقارية و الجهاز القضائي و
الجامعات و الإكثار من الندوات العلمية من أجل الوصول إلى اجتهادات موحدة
* التنصيص بصريح النص القانوني على إلزام
المحافظ بتنفيذ جميع الأحكام القضائية النهائية على حالتها,
وعدم تحميله تبعات ذلك.وتوضيح مقتضيات الفصل 72 من ظهير التحفيظ العقاري,باستثناء
الأحكام القضائية.
* تحديد أجل للمحافظ من أجل النظر في طلبات
إدراج مطالب التحفيظ,إذ من شأن ذلك فتح الفرصة من أجل الطعن في قراره الضمني.
* تعليل قرار رفض المطلب, وتبليغه لكل ذي
مصلحة خاصة صاحب الحق المودع طبقا للفصل 84 من ظهير التحفيظ العقاري, عوض الاكتفاء
بتبليغه لطالب التحفيظ.
* التنصيص بصريح النص على ضرورة إنذار طالب
التحفيظ أو كل ذي مصلحة وإعطائه مهلة بأجل قانوني, من أجل تمكينه من الاستجابة
للأسباب الداعية لاتخاذ قرار الرفض.
* التخفيف من المسؤولية الملقاة على عاتق
المحافظ ,خاصة مع وجود رقابة لقراراته تتقاسمها عدة أجهزة إدارية وقضائية .
و هكذا حاولنا و من خلال هذا
الموضوع المتواضع , تقريب القارئ من أهمية
القرارات التي يتخذها المحافظ, والضمانات المخولة للأطراف خاصة إمكانية الطعن في
قراراته سواء الايجابية منها أو السلبية .و غاية ذلك, هو طرح الآراء والأفكار و
مناقشتها في سبيل الخروج بما يفيد تحقيق العدالة و المصلحة و الكرامة .في ظل مجتمع
تحدوه رغبة النمو اقتصاديا و اجتماعيا .
" يجب على المحافظ على الأملاك
العقارية في جميع الحالات التي يرفض فيها طلبا للتحفيظ أن يعلل قراره ويبلغه لطالب
التحفيظ ، بكون هذا القرار قابلا للطعن أمام المحكمة الابتدائية التي تبث قيه مع
الحق في الاستئناف وتكون قرارات الاستئناف قابلة للطعن بالنقض ".
([4] ) -
وهذا ما أكده القضاء الإداري حيث جاء في حكم المحكمة الإدارية بالدار البيضاء
بتاريخ 18/11/2012 ملف 6/12/5 رقم 3011 ما يلي :" قرار المحافظ رفض تقييد حق
عيني يرجع أمر النظر فيه للمحكمة الإبتدائية.ولا تختص فيه المحاكم الإدارية' غير
منشور أنظر ملف الرسم العقاري عدد 194053/32 بالمحافظة العقارية لعين السبع الدار
البيضاء .
([6] ) -
في لبنان مثلا نورد حكما صدر عن محكمة
الاستئناف ببيروت المدنية الثانية تحت رقم 938 بتاريخ 21 ماي 1959 جاء فيه ما يلي
" ان السلطات الممنوحة لأمين السجل العقاري و التي تخوله حق الموافقة على
التسجيل أو رفضه تستنفد بمجرد اتخاذه قراره القاضي بالتسجيل، و بالتالي يصبح
الاعتراض على المعاملة بعد ذلك خاضعا إلى أحكام المادة 81 من القرار 188 التي
أوجبت تقديم الاعتراض عن طريق القضاء بشكل حجز احتفاظي يبلغ بواسطة دائرة الإجراء
إلى أمين السجل العقاري ". و جاء فيه كذلك :
"إن أمين السجل العقاري الذي
يرفض تسجيل المعادلة بعد أن قرر تسجيلها يتجاوز حدود سلطته و يعرض قراره
للإبطال".
([8] ) -
القرار الصادر عن محكمة النقض رقم 244بتاريخ 8 غشت 1980 جاء فيه ما يلي "حيث
أن اختصاص المحكمة الابتدائية المنصوص عليها في الفصل 96 ينحصر في حالتين: و هما
حالة ما إذا كان رفض المحافظ مبررا بعدم صحة الطلب أو عدم كفاية الرسوم، و لا
ينطبق في باقي الأحوال حيث ينبغي الرجوع إلى القاعدة العامة المذكورة في الفصل 353
من قانون المسطرة المدنية و هي اختصاص المجلس الأعلى". أشارت إليه الأستاذة
أمينة جبران في كتابها "الفضاء الإداري – دعوى القضاء الشامل" مطبعة
بيماك الصفحة 305. أنظر كذلك ملف الرسم العقاري عدد 9057س بالمحافظة العقارية
أنفا. (الفصل 96 و التي أشارت إليه المحكمة يتعلق بالصبغة القديمة قبل تعديله
بمقتضى القانون 07/14).
([9] ) - نص
الفصل 10 من القرار الوزيري الصادر بتاريخ 3 يونيو 1915 على ما يلي: "رفض
المحافظ كليا او جزئيا تقييد حق عيني أو التشطيب عليه من التسجيلات العقارية، فإن
قراره يجب أن يكون معللا و يبلغ بدون تأخير إلى الطالب، و يكون هذا القرار قابلا
للطعن القضائي المنصوص عليه في الفصل 96 من ظهير 12 غشت 1903 داخل شهر واحد من
تبليغه".
([14] ) -
جاء في المادة 15 من القرار 188 الصادر بتاريخ 15 مارس 1926 المتعلق بالسجل
العقاري اللبناني ما يلي :"يمكن لكل شخص تضرر في حقوقه بسبب قيد أو تحرير أو
ترقين جرى بدون سبب شرعي أن يحصل على إبطاله ...و لا يمكن إبطال أو تحرير أي قيد
كان من قيود السجل العقاري بدون قرارا قضائي إلا إذا رضي بذلك خطيا ذو
العلاقة".
([22] )- حكم المحكمة الإدارية
الابتدائية بالدار البيضاء ملف عدد 68/02/6 رقم 3581 بتاريخ 25/12/2012. أنظر ملف
الرسم العقاري عدد 68628/س و الرسم العقاري عدد 9164/س بالمحافظة العقارية
للنواصر.
- حكم المحكمة الابتدائية رقم
1256/2009 صادر بتاريخ 15 يوليو 2009 (ملف مدني عدد 884/21/2009)غير منشور أنظر
ملف الرسم العقاري رقم 13396 د بالمحافظة العقارية الحي الحسني .
([25] )- .تحديد المشرع لغرفة المشورة له فقط ميزة
السرية ,ولا علم لنا بوجود تحديد لهذه الغرفة من خلال ق.م.م .ومع ذلك يمكن القول
أن النصوص الخاصة التي تقضي بإحالة بعض القضايا على غرفة المشورة تعتبر في حد
ذاتها نوعا من التنظيم القضائي,حيث يلجأ بمقتضاها إلى إحداث هذه الغرفة كلما طرأت
على المحكمة قضية تقتضي البث فيها في غرفة المشورة,التي يمكن أن تتشكل من نفس
محكمة الموضوع وتوصف بغرفة المشورة بمجرد انعقادها بصفة سرية,للنظر في قضية استوجب
القانون مراعاة السرية فيها.
([28] )-
الفصل 103 من ظ.ت.ع جاء فيه ما يلي: " إذا وقع تعرض على تسليم نظير جديد
للرسم العقاري أو نسخة شهادة التقييد الخاصة المنصوص عليها في الفصل 101 من هذا
القانون أو رأى المحافظ على الأملاك العقارية أنه لا داعي لتلبية الطلب المقدم
إليه فيمكن للطالب أن يرفع الأمر إلى المحكمة الابتدائية التي تبت وفق الإجراءات
المقررة في قانون المسطرة المدنية".
([40]
)- الفصل 8 من ظهير 12 غشت 1913 المتعلق بالتنظيم القضائي و
الملاحظ أنه بالرغم من تضمين الفصل 353 من ق.م.م للطعن في إلغاء المقررات ا
الصادرة عن السلطات الإدارية بسبب الشطط في استعمال السلطة منذ صدور أول قانون
للمسطرة المدنية سنة 1913 فإن هذا المنع استمر إلى إنشاء المجلس الأعلى و المحاكم
الإدارية.
و
الملاحظ أن المشرع الفرنسي استعمل مصطلح
دعوى تجاوز السلطة و استعمل المشرع المغربي عبارة الشطط في استعمال السلطة في ظهير
إنشاء المجلس الأعلى و عبارة تجاوز السلطة في قانون إحداث المحاكم الإدارية.
([55] )- جاء في الفصل 23 من ظ ت ع
:" دون المساس بأحكام الفصل 6 من هذا القانون إذا نص المحضر على تغيب طالب
التحفيظ أو من ينوب عنه أو على عدم قيامه بما يلزم لإجراء عملية التحديد، فإن مطلب
التحفيظ يعتبر لاغيا وكأن لم يكن إذا لم يدل بعذر مقبول داخل أجل شهر من تاريخ
توصله بالإنذار.يعتبر مطلب التحفيظ كذلك وكأن لم يكن إذا تعذر على المحافظ على
الأملاك العقارية أو نائبه إنجاز عملية التحديد لمرتين متتاليتين بسبب نزاع حول
الملك..."
([56] )- ينص الفصل 50 من ظ ت ع "
إن الطلب الرامي إلى التحفيظ والعمليات المتعلقة به يعتبر لاغيا وكأن لم يكن إذا
لم يقم طالب التحفيظ بأي إجراء لمتابعة المسطرة وذلك داخل ثلاثة أشهر من يوم
تبليغه إنذارا من المحافظ على الأملاك العقارية بواسطة عون من المحافظة العقارية
أو بالبريد المضمون أو عن طريق السلطة المحلية أو بأي وسيلة أخرى للتبليغ"
([60] )-
أخيا هشام المحمدي " الطعن في قرارات المحافظ
العقاري بعد إحداث المحاكم الإدارية " مجلة الإشعاع العدد 27 غشت 2003 ص 99.
- أحمد الشحيتي
: " قرارات المحافظ على الملكية العقارية بين القابلية وعدم القابلية للطعن
". مجلة التحفيظ العقاري العدد 7 يناير 2000 ص 22.
([63] )- الظهير الشريف رقم 202 /02 /1 الصادر في 12 من جمادى الأولى 1423 ( 2 /7/
2002) بتنفيذ القانون رقم 01 /03 بشأن إلزام الإدارات العمومية والجماعات المحلية
والمؤسسات العمومية بتعليل قراراتها الإدارية . حيث جاء في المادة الأولى منه ما
يلي :" تلزم إدارة الدولة والجماعات المحلية وهيئاتها والمؤسسات العمومية
والمصالح التي عهد إليها بتسيير مرفق عام بتعليل قراراتها الإدارية الفردية
السلبية الصادرة لغير فائدة المعني, المشار إليها في المادة الثانية بعده تحت
طائلة عدم الشرعية ، وذلك بالإفصاح كتابة في صلب هذه القرارات عن الأسباب
القانونية والواقعية الداعية إلى اتخاذها "
([64] )-
و هذا ما تم تأكيده من خلال حكم صادر عن المحكمة الإبتدائية
بالحسيمة بتاريخ 23 يونيو 2003 منشور بمجلة الحقوق المغربية جاء فيه ما يلي
: " و حيث ثبت
المحكمة حقا، و يعد اطلاعها على أوراق الدعوى أن قرار المحافظ المطعون فيه طبقا
للمادة 96 من ظهير 12/8/1913 و ان استند في حيثياته على حكم قضائي نهائي قضى
منطوقه بإبطال رسم الملكية عدد 1032 المدعم به مطلب التحفيظ الملغى كليا، فإن ذلك
لا يعفيه البتة من التقيد بمقتضيات الفصل 50 التي تفرض عليه قبل إلغاء مطلب التحفيظ
إشعار ذوي العلاقة بالمطلب،و إنذارهم بالإدلاء بما لديهم من حجج جديدة بواسطة
رسالة مضمونة و مصحوبة بشهادة التوصل،و هو الإجراء الذي لاحظت المحكمة غيابه في
الحجج المدلى بها من طرف السيد المحافظ. و حيث مؤدى ذلك أن قرار المحافظ بإلغاء
مطلب التحفيظ عدد 2225/24 بصورة كلية و دون احترامه للإجراء المذكور، يكون عرضة
للإلغاء تطبيق للمادتين 96 و 97 من ظهير 12/8/1913، و للمادة 10 من القرار
الوزيري.
و حيث لذلك تقضي المحكمة بصحة أسباب الطعن التمسك بها من طرف المدعين و من
تم تستجيب لطلبهم و تصرح بإلغاء القرار المطعون فيه "
* انظر كذلك ذ.أحمد الشحيتي و ذ. محمد صغير :" الطعن في قرارات
المحافظ بين اختصاص القضاء العادي و اختصاص القضاء الإداري " مجلة المناظرة
العدد 8 يونيو 2003 ص 111.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire