واقع الجهوية بالمغرب
معترف محمد
مقدمة
الجهة لغويا ناحية من النواحي وتعني بالفرنسية (Région) وهو
بمعنى جزء من الكل . كما تعني أيضا الضاحية أو المجال المحيط بمركز معين, و
عملية التقسيم الترابي إلى عدة جهات هي التي تعطينا ما يمكن تسميته ب
"الجهوية"ويتحدد مفهومها إضافة إلى ذلك كإطار للتنمية وكمستوى هام يطرحالبعد المجالي لمجموعة من القضايا المعاصرة
ابتداء من المنطلقات التي تؤطر هذا البعد وانطلاقا كذلك من الدواعي الكامنة وراء هذا البديل الاستراتيجي في
مسار اللامركزية , وتظهر الجهة كوحدة تشكل مجموعة مندمجة وحية حريصة على تكامل
مكوناتها عاملة على استثمار الصلاحيات المخولة لها والإمكانيات الموضوعة رهن إشارتها.
الحديث التي ترتكز على
المجال. كما يظهر إلى جانب ذلك مصطلح الجهوية السياسية بمعنى اخر
فإن تحديد مفهوم الجهوية يقتضي التمييز
بين الجهوية التي لها مدلول مجموعات متماسكة ذات أهداف سياسية دفاعية والجهوية
بمفهومها الحديث, الذي
يعني مجموعة متناسقة تهدف إلى تكامل اقتصادي إداري تنموي من أجل النهوض بمؤهلاتها وتسخير إمكانياتها البشرية و الطبيعية
والمادية في إطار متكامل. وتكمن صعوبة المفهوم أيضا في كون الجهوية تتحكم في
معطيات وخصوصيات تختلف باختلاف الأنظمة السياسية التي تتبناها, حيث تتنوع علاقة تنظيم المجال ومدى
استقلاليته عن المركز لكون الجهة من الضاحية أو المجال المحيط بالمركز. كما يختلف باختلاف
الأشخاص المعرفة له لكون هذا المفهوم ليس جامدا, باعتباره يرتبط بسياقات مختلفة وبتجارب
متعددة وعموما يمكن التمييزبين ثلاثة أنواع
استنادا إلى الإطار القانوني الذي تستمد منه وجودها وهي تشمل:
على نحو يضمن وحدة السلطة الإدارية في الدولة. وتتخذ المركزية صورتين رئيسيتين: التركيز
الإداري وعدم التركيز الإداري.>
·
اللامركزية الإقليمية أو الترابية: فتقوم على منح جزء من أقاليم الدولة الشخصية
المعنوية ,فيكون له الاستقلال الإداري والمالي في تسيير شؤونه المحلية تحت إشراف
سلطات الوصاية ورقابتها وهذا ما يسمى بالإدارة المحلية.
مقدمة
إن دول العالم اليوم تسعى
لترسيخ النظام اللامركزي الذي يعتبر صيغة فعالة لتصريف الشؤون المحلية الإقليمية
والجهوية، رغم أنها تختلف في درجة الأخذ بهذا النظام.
وبالنسبة للمغرب فلقد حظي المجال الجهوي باهتمام من طرف
الدولة وذلك من خلال إصدار ظهير 1971 الذي أحدثت بمقتضاه سبع جهات، والذي جسد
الإطار القانوني والمؤسساتي للجهة، غير أن الاهتمام بالجهوية لم يقف عند هذا الحد،
بل إن المخططات الاقتصادية والاجتماعية المتوالية التي عرفتها البلاد سوف تهتم هي
الاخرى بالتنمية الجهوية، لكن فشل هذه المخططات من حيث تحقيق الاهداف المرسومة
لها، سيؤدي إلى تطوير نظام جهوي وذلك بما يتلاءم وتحديات المرحلة الراهنة. فاتخذت
بذلك مسارا جديدا مع دستور 1992- 1996 قانون (96-47) المنظم للجهات حيث أصبحت
الجهة وحدة ترابية لا مركزية تتمتع بشخصيتها القانونية المنقلة، ونقل بذلك هذه
المؤسسة من الطابع الإداري والتمثيلي إلى التنمية الجهوية معتمدا مقاربة شمولية،
إلا أن الحدث البارز في هذا الإطار هو الخطاب الملكي لـ 3 يناير 2010 الذي يشكل منعطفا
مهما في النظام الجهوي بترسيخه تبني هذا الخيار وفتح آفاق جديدة لحل النزاع في
قضية الصحراء المغربية من خلال منح الحكم الذاتي للأقاليم الصحراوية.
وتأتي أهمية دراسة موضوع السياسة الجهوية من كونها أحد
المداخل الأساسية للتنمية وكحل للقضية الوطنية والأولى وهي قضية الوحدة الترابية
للمملكة، مما سيحدو بنا إلى تقسيم هذا البحث إلى بابين رئيسين: الأول سنعالج فيه
واقع الجهة عبر مسارها التاريخي ووضعها الراهن من زوايا متعددة.
والثاني: سنوضح فيه آفاق
الجهوية بالمغرب من خلال الخطابات المتعددة التي تناولت هذا الموضوع (الخطاب
الملكي والحزب والمجتمع المدني) وكذا آليات تفعيل هذا المسار مع إدراج بعض التجارب
المقارنة لبعض الدول الأوروبية التي تبنت هذا الخيار (إسبانيا- ايطاليا). آملين أن
تكون محاولتنا قد شكلت قيمة مضافة إلى مختلف الأدبيات القانونية والفقهية
والتنموية وغيرها التي تناولت هذا الموضوع.
v
المبحث الأول: مفاهيم أساسية.
إن إدراك مفهوم الجهوية
يقتضي الإطلاع على جملة من المفاهيم والمصطلحات المرتبطة بها, والتي أحيانا تتشابه
معها,وسنحاول أن نقرب إلى ذهن القارئ بعضا منها مقتنعين أن بعضا من هذه المفاهيم
تطرح إشكاليات من حيث دقة التعريف.
المطلب الأول: مفاهيم الجهة والجهوية والحكم
الذاتي.
الفقرة الأولى : الجهة والجهوية.
وقد ظهر مفهوم الجهوية في إطار المجتمعات
الغربية وما عرفته في تاريخها الحديث والمعاصر من تحولات معرفية وسياسية
وتكنولوجية واجتماعية وحضارية متعددة مست
كافة المجالات والأصعدة, وقد كانت من بين أهم ما أفرزته
تأسيس دولة وطنية ,ومن هنا نرى أن
هذا المفهوم من المفاهيم التي طبعت التطور السياسي بالعالم الرأسمالي الذي أفرزته
التحولات التي عرفتها اروبا مع فكر النهضة وعصر الأنوار. وهذه التحولات تعتبر الموجه
الأساسي للنظام الجهوي كنمط عقلاني لتدبير الاختلاف بين مكونات المجتمع الواحد
وكآلية لدمقرطة المؤسسات السياسية و الاقتصادية.
ثم تطور وتحول المفهوم ليأخذ
شكل التخطيط للتنمية إذ تبلور كوسيلة لصناعة توافق بين المجتمع المدني وبين الدولة
الوطنية كمؤطر للمشروع المجتمعي المتوافق حول معالمه الكبرى. وبخصوص المغرب
فالإطار المرجعي للجهة دخلت مع التاريخ الشهير في القاموس السياسي المغربي 1912[1]
فدوافع الاحتلال كانت من الدواعي لإنشاء الجهة.
وعموما يصعب إعطاء تعريف دقيق للجهة وللجهوية régionalisation باعتباره مرتبط بأبعاد مختلفة منها ما هو
اجتماعي ومنها ما هو تاريخي ومنها ما هو اقتصادي و سياسي, فعملية التقطيع الترابي إلى
مناطق وفق معايير محددة هي التي تعطينا ما نسميه بالجهوية. أما المعيار في عملية
التقسيم الجهوي في مفهومها القديم ذات المدلول الدفاعي الانتمائيRégionalisme[2] و
الجهوية في مفهومها
أ-
الجهوية الوظيفية : فالأساس الشرعي لهذا
النوع هو الوظيفة المراد انجازها دون الأخذ بعين الاعتبار العوامل الأخرى . والجهة
في هذا النوع ماهي إلا مجال ترابي لتسير مهمة محددة في مهام الدولة ولا تتطلب
بالتالي وجود إدارة ذاتية مستقلة ولها شخصية متميزة.
ب- الجهوية الإدارية : وهي نوعين : جهوية إدارية لا مركزية وجهوية ادارية
مع عدم التمركز فالجهوية الإدارية اللامركزية تتمتع الجهة باستقلال ذاتي تتمثل في
وجود إدارة منتخبة وموارد مالية وبشرية, ولها
اختصاصات محددة بواسطة القوانين العادية. بالنسبة للجهوية الإدارية مع عدم التمركز
تتوفر على إدارة وموارد بشرية ومالية ,ولها اختصاصات محددة, غير أن
الجهة تكون مسيرة من طرف ممثلين للسلطة المركزية.
وعموما فالجهة في إطار اللامركزية هي وحدة ترابية مستقلة تجاه السلطة المركزية في
حين أن الجهة في إطار عدم التمركز هي مقاطعة إدارية تابعة للسلطة المركزية وتخضع
لسلطتها الرئاسية.
الجهوية السياسية : تتمتع الجهة من سلطات سياسية مهمة وتحتل مكانة متميزة داخل التنظيم الإداري
والسياسي, فهي تتقاسم مع السلطة المركزيةج-
الوظائف السياسية في الميدان التشريعي والتنظيمي,
وقواعدها محددة دستوريا. والجهوية السياسية هي أعلى مستوى من
المستويات اللامركزية الترابية دون الارتقاء إلى مستوى الدولة الفيدرالية التي تتمتع فيها الجهة على سيادتها التامة مع
احترام القوانين الاتحادية.
الفقرة الثانية: الجهوية الموسعة.
هي الأخرى
مقاربة للتدبير المحلي, إلا انه تدبير يحوز على مكانة متميزة سواء في التمثيلية أو
في الوسائل و الإمكانيات التي يمكن أن تصبح مقسمة بين كل من الدولة كوحدة مركزية
والجهات كوحدات محلية , وتصبح هذه الأخيرة تتمتع بمزيد من السلطات فيما يرتبط باتحاد
القرار, بما في ذلك تكوين الميزانية المحلية وإقامة المؤسسات الديمقراطية, وتمكين
مؤسسات المجتمع المدني داخل الجهة من المشاركة واتخاذ القرار وفتح المجال لإقامة علاقات تعبر الحدود الوطنية إلى جهات أخرى
,بغرض التعاون الاقتصادي كما أنها ليست في اخر المطاف سوى تمكين المواطنين
في دائرة ترابية محلية محددة من تدبير أمورهم بأنفسهم, وذلك من خلال هيئات جهوية ينتخبونها لها من
الصلاحيات والموارد ما يمكنها من تحقيق التنمية المحلية ,لكن ليس في انفصال عن الدولة وعن السلطة المركزية,
فالجهوية الموسعة لا تعني الانفصال و التجزئة ولا التقسيم والخروج عن سيادة الدولة.
الفقرة
الثالثة: الحكم الذاتي.
يعني الحكم الذاتي في وجهة نظر القانون الدولي أن
يحكم الإقليم نفسه, وهو أيضا عبارة عن صياغة
قانونية لمفهوم سياسي يتضمن نوع من الاستقلال الذاتي للأقاليم لأنها أصبحت من
الوجهتين السياسية و الاقتصادية جديرة بأن تقف وحدها, مع
ممارسة للدولة الأم السيادة عليها, وقد يطلق أيضا عليه الحكم الذاتي الدولي, الذي ينشأ بواسطة وثيقة دولية سواء كان معاهدة دولية تعقد بين دولتين بشأن إقليم
خاضع لسيطرتها, أو عن طريق اتفاقية تبرمها
منظمة الأمم المتحدة .وقد بدأ مفهوم الحكم الذاتي
في البروز عندما هاجرت الدول سياسة اللامركزية
في إدارة شؤون أقاليمها. ومن هنا كانت العلاقة بين الطرفين
على أساس مبادئالقانون الدولي العام .ومن المعايير المتفق
عليها لاكتساب إقليم معين صفة[1] الحكم
الذاتي, ضرورة توفر سلطة تشريعية في الإقليم تتولى
سن القوانين, ويتم انتخاب الأعضاء بحرية في إطار عملية ديمقراطية ,أو ان تتشكل بطريقة
تتوافق مع القانون وسلطة تنفيذية يتم اختيار الأعضاء في جهاز له هذه الصلاحية ويحظى
بموافقة الشعب. ثم السلطة القضائية يناط بها تطبيق القانون , كما تضمنت هذه
المعايير ضرورة التحقق في المشاركة في اختيار حكومة الإقليم من دون أي ضغوط خارجية
مباشرة أو غير مباشرة وتحقيق المساواة بين
المواطنين من داخل الإقليم في التشريعات الاجتماعية وغيرها [2].
وإضافة إلى ذلك فالحكم الذاتي نظام قانوني وسياسي
يرتكز على قواعد القانون الدستوري وقواعد القانون الدولي معا, إذ هو نظام لامركزي
مبني على أساس الاعتراف لإقليم معين أو عدة أقاليم داخل الدولة بالاستقلال في إدارة
شؤونه تحت إشراف ورقابة السلطة المركزية وهو بهذا المعنى أسلوب للحكم والإدارة في إطار
الوحدة القانونية والسياسية للدولة[3].
المطلب
الثاني: مفهوم المركزية واللامركزية.
الفقرة الأولى: المركزية.
يقصد بمفهوم المركزية أن يعهد بكل المهام إلى
السلطات المركزية بالعاصمة التي قد تفوض القيام ببعضها إلى ممثليها في الجهات والأقاليم ,وبمقتضى هذا يتكلف الوزراء بالوظائف الإدارية للدولة بصفة مباشرة أو غير
مباشرة ,دون أن يشاركوا في ذلك
هيئات أخرى. كما تعني أيضا تركيز الوظيفة الإدارية في أيدي ممثلي الحكومة المركزية
في العاصمة, وهم الوزراء, وذلك
·
التركيز الإداري: يشكل التركيز الإداري الصورة الأولى
للمركزية ويقصد بهذا التعبير قصر اتخاذ القرارات الإدارية على الوزراء في العاصمة
لذا سماها البعض بالوزارية أو المركزية مع التركيز ولقد أصبحت هذه الصورة غير
متصورة في عصرنا الحالي لتشعب الأعمال الإدارية وتعقدها وكثرتها.
·
عدم التركيز: أي الاعتراف لبعض موظفي الوزارة
بسلطة اتخاذ بعض القرارات ذات الأهمية القليلة و المتوسطة دون الرجوع أو اللجوء إلى
الوزير المختص . رغم كل ذلك فللوزير أن يعقب على أعمالها إجازة أو إلغاء أو تعديلا, أو
يحل محلهم في أمور معينة .هذا ورغم أن المركزية الإدارية ضرورية في الدولة الحديثة
إلا أن لها مزايا وعيوبا[1].
الفقرة الثانية: اللامركزية.
يقصد باللامركزية توزيع الوظائف بين الحكومة
المركزية في العاصمة وبين هيئات محلية أو مرفقية مستقلة تخضع في مباشرة وظيفتها لإشراف
ورقابة الحكومة المركزية. وبهذا المعنى فان اللامركزية إما أن تكون لا
مركزية إقليمية أو ترابية, وإما أن
تكون لامركزية مرفقيه أو مصلحية.
·
اللامركزية المرفقية أو المصلحية: فتقوم على تمتيع مرفق عمومي سواء كان محليا أو جهويا أو وطنيا
بالشخصية المعنوية مما يعني تمكينه من الاستقلال الإداري والمالي في أداء مهامه مع
خضوعه لإشراف ورقابة الجهات المختصة وبهذا الأسلوب يتم إحداث المؤسسات العمومية
بمختلف أنواعها.
وهناك نوع آخر من اللامركزية وهو اللامركزية السياسية:
فهي شكل من أشكال التنظيم السياسي يقوم على توزيع
الوظائف السياسية في الدولة ( السلطة التنفيذية, السلطة التشريعية. السلطة القضائية)
بين الحكومة الاتحادية والولايات التي تتمتع بسيادتها الداخلية, بينما
تؤول السيادة الخارجية للحكومة الاتحادية , وتعتبر اللامركزية السياسية أوسع مجالا
من اللامركزية الإدارية, فإذا كانت الأولى ترتبط با لقانون الدستوري فإن الثانية ترتبط بالقانون الإداري.[1]
ورغم المفهوم الدقيق الذي تتسم به هذه المصطلحات القانونية لا أحد يجادل اليوم في كون
اللاتركيز الإداري لا يزال متخلفا
بالمقارنة مع أسلوب اللامركزية الشئ الذي أدى إلى صعوبات كبيرة على مستوى الأداء
العام للإدارة المغربية ذات الطابع التمركزي ونشوء سلوكيات ضارة أثرت حتى على
مستوى اللامركزية. فعدم التركيز يمكن أن يوفر إدارة محلية أكثر قربا من المواطنين
للتخفيف على الروتين الإداري وتبسيط المساطر وتسريع التنفيذ...
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire